"فتاة في القبو".. فيلم يرصد التجاوز الأخلاقي ومرارة الواقع
"فتاة في القبو".. فيلم يرصد التجاوز الأخلاقي ومرارة الواقع
متابعات: الألم، الوحشية، السيطرة، العنف، المأساة، الصدمة، البقاء، التعاطف؛ أبرز ما يثيره فيلم الجريمة والدراما الأمريكي ”فتاة في القبو/ Girl in the Besement“ الصادر في شباط/فبراير 2021، مقدمًا حكاية مقتبسة عن أحداث حقيقية، تسلط الضوء على تجاوز أخلاقي ومرارة واقع هزيل.
وتروي أحداث العمل قصة حياة مأساوية لمراهقة تدعى سارة، شغوفة بالحياة، ويقودها حلم طموح لتجوب العالم فور بلوغها السن القانوني، واستقلالها عن عائلتها، لتحظى بالحرية الكاملة مبتعدة عن سيطرة والدها الغضوب المشبع بالعقد النفسية، ولكن شيئا ما يحدث ليقلب كل الموازين ويدمر حياتها.
ويفتتح المخرج العمل بمشهد درامي مشوق عارضا ذروة الحبكة، واضعا المُشاهد أمام تساؤلات وحماس، ثم يعود إلى نقطة البداية كاشفا عن ضغط وعنف أسري تتعرض له سارة من والدها المتحكم، لتنشأ لديها ردات فعل عكسية، وتتصرف بتهور وشجاعة غبية، كاشفة عن رغبتها بالهروب وتحقيق أحلامها بعيدا عن سجن والدها.
وبطبع متمرد تتحدى سارة والدها، وتقفز من نافذة غرفتها وتهرب إلى حفلة ليلية برفقة حبيبها، معلنة بدء المعركة مع والدها، دون أن تصغي لتحذيراته وقيوده، ليحتقن الوالد غضبا تحذوه رغبة عارمة بإخضاعها لأشد العقوبات.
ونلاحظ في العمل حديث سارة الجريء عن مخططاتها المستقبلية وأحلامها المنتظرة برفقة حبيبها المخلص، ونزعتها للتحرر من التابوهات وقيود المجتمع، مجارية تيار الليبرالية الشخصية الذي تغلغل ضمن شريحة الشباب في عموم المجتمعات الغربية منذ ستينيات القرن الماضي.
إرادة التحرر والفكاك من القيود كانت الدافع لمواجهة ضغوط والدها غير المتزن، فكانت تقلل من هيبته دائما وتخالف تعليماته، وتقف في وجهه مدافعة عن حقوقها الشخصية.
وتحظى فكرة الهروب بدعم شديد من والدة سارة وشقيقتها، لتتفجر داخل الأب قوى شيطانية خبيثة، تجعله يحيك خطة لا إنسانية لعقاب ابنته المتمردة الخارجة عن قوانين منزله، ساعيا ليجعل منها عبرة متجاوزا بذلك أبسط بديهيات الإنسانية، ومنحدرا إلى مستوى إجرامي غير مألوف.
ويستدرج الوالد سارة لتساعده في نقل صندوق كبير إلى الطابق السفلي من المنزل، لنكتشف بوابة سرية تقبع خلف المكتبة، وتؤدي إلى قبو مظلم مخيف ومعزول صوتيا دون نوافذ، وريثما تتفحص سارة المكان السري بغرابة، تصعق بفعل والدها الشنيع، إذ يقفل الباب من الخارج ويتركها حبيسة القبو الموحش.
وبنية طيبة، تكنّ سارة لوالدها كل الخير، ولا تتوقع منه الوصول إلى هذا المستوى من الشر، وتظن أن سجنها مجرد عقوبة مؤقتة لتكف عن عنادها، وعاشت ليالي عدة على أمل أن يصفح عنها ويطلق سراحها، ولكنها تتفاجأ بشخصية سادية حيوانية، ليعتدي عليها بوحشية، ويرفض أبوتها مُصرَّا على أن تناديه باسمه فقط دون أن تلفظ كلمة أبي على لسانها.
ويتمادى الوالد بتصرفاته الوحشية حين سنحت له الفرصة بسيطرة كاملة على حياة سارة وجسدها، ليتخذها خليلة وخادمة له ولرغباته؛ مجرد جارية تخضع لأهوائه الحيوانية وغرائزه الشيطانية، دون أدنى رحمة أو إحساس بالرأفة والمسؤولية.
ويعيدنا الفيلم إلى قضية سابقة تصدرت عام 2008، عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، إذ ظهرت إليزابيث فرتزل من العدم لتخبر الشرطة النمساوية عن والدها الذي احتجزها مدة 24 عاما، وأنجب منها سبعة أطفال شاركوها ظروف الأسر.
ومع تتالي الصدمات بتقدم عداد السنوات في قبو مظلم لا تتسرب أشعة الشمس إلى جدرانه العالية، يستعد المُشاهد لنهاية صاعقة قامت عليها الأحداث منذ البداية، لترضي مرحلة ما بعد التوتر واللهفة وحرق الأعصاب، ولكن على غير المتوقع جاءت النهاية مخيبة للآمال دون أن نشهد ردود فعل صادمة لعائلتها وحبيبها على جريمة شنيعة كهذه.
وبميزانية شحيحة، صور المخرج معظم مشاهد الفيلم في مكان واحد، معتمدا على إنارة خافتة توازي سوداوية الحدث، وكاميرا كلاسيكية بطيئة الحركة.
ولم يرقَ السيناريو إلى مستوى قوة القصة، فجاءت الحوارات هزيلة مقتضبة، في استناد غير موفق على الأسلوب الوثائقي السردي.
ولم يتطرق العمل إلى مرحلة تعافي ما بعد الصدمة، فلم نشهد تأثير الصدمة على سارة ومحيطها، لننتقل على عجل إلى مرحلة حالمة بعيدة عن سوداوية الواقع الشنيع.
ولم يسلط العمل الضوء على ماضي الأب الإجرامي في القصة الحقيقية، وواجه الفيلم انتقادات متعلقة بأداء الممثلين، إذ استند إلى أسماء من الصف الثاني، معتبرين أن قصة بهذا المستوى كانت بحاجة إلى تجسيدها من قبل نجوم محترفين.
"إرم"