نشر بتاريخ: 2021/05/28 ( آخر تحديث: 2021/05/28 الساعة: 16:11 )
عماد الدين حسين

كيف تلاعبت إسرائيل بالإعلام؟!

نشر بتاريخ: 2021/05/28 (آخر تحديث: 2021/05/28 الساعة: 16:11)

فى مرات كثيرة يتحول الإعلام والإعلاميون إلى ضحية للتلاعب من قبل الحكومات والسلطات، خصوصا خلال أوقات الأزمات والحروب.

أحدث من استغل الإعلام هو جيش الاحتلال الإسرائيلى.

وخلال عدوانه الأخير على غزة، بعث المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى برسالة موجزة إلى المراسلين الإعلاميين جوهرها أن قواته دخلت غزة.

وسائل الإعلام المختلفة أدت دورها، واتصلت بهذا المتحدث، للتحقق من المعلومة فجاءت إجابته كالتالى: «نعم قواتنا موجودة فى غزة».

بعد ساعتين أصدر هذا المتحدث بيانا جاء فيه أن القوات ليست فى غزة، مبررا الأمر بوجود مشكلة تواصل داخلية، وأنه يتحمل مسئوليتها، موضحا أن هناك قوات إسرائيلية توجد على مسافة أمتار قليلة من غزة وليست فى داخلها.

هذه الرسالة ذهبت إلى المراسلين الأجانب فقط، ولم تصل للإعلام المحلى الإسرائيلى. ما الهدف من هذا التلاعب كما تبين لاحقا، فهو أنه يبعث برسالة إلى قادة حماس الميدانيين، حتى يخرجوا من مخابئهم إلى خط الدفاع الأول فى شبكة الانفاق، التى تقول إسرائيل أن حماس أنشأتها خلال السنوات الماضية.

وطبقا لهذا التلاعب فإن قادة حماس حينما يعلمون أن هناك قوات إسرائيلية فى القطاع سوف يخرجون من مقراتهم ومخابئهم السرية، كى يتصدوا لهذه القوات، وبمجرد أن يفعلوا ذلك، يقوم الجيش الإسرائيلى بقصف هؤلاء القادة، داخل الأنفاق، وبالتالى يحقق هدفا مزدوجا وهو قتل القادة، وتدمير البنية التحتية للأنفاق.

هدف التلاعب لم يتحقق بنسبة كبيرة، والإعلام الأجنبى أدان هذا السلوك، وبالطبع سارعت إسرائيل بالنفى، متحدثة عن وجود مشكلة تواصل داخلية، وأن المتحدث ارتكب خطأ عن حسن نية، ومشيرا فى الوقت نفسه أن الجمهور المستهدف من المعلومة هو حماس، وليس الصحافة الأجنبية.

لكن يعلم الجميع أن الحيلة الإسرائيلية مجربة قبل ذلك بأكثر من طريقة، وعلى سبيل المثال فإن شبكة «يورو نيوز» قالت إن الجيش الإسرائيلى لجأ فى سبتمبر ٢٠١٩ إلى الادعاء بأنه نقل إلى المستشفيات «مصابين وهميين» عقب اشتباك مع حزب الله اللبنانى. الهدف من هذا النقل الوهمى للمصابين، كان تدهئة التوتر مع حزب الله، كى يعتقد أنه حقق الانتقام من الجيش الإسرائيلى الذى وجه للحزب ضربة جوية، وبالتالى حينما يتحقق الانتقام، سيوقف حزب الله هجومه المتوقع ضد إسرائيل، اعتقادا أنه أصاب جنودا إسرائيليين.

لكن من الواضح أن الحيلة الإسرائيلية خلال العدوان الأخير كان هدفها قتل وتحييد وتصفية مقاتلين لحماس بواسطة وسائل الإعلام، وهو السلوك الذى أدانته جمعية الصحافة الأجنبية فى القدس، وعبرت عن استيائها مما جرى.

ما فعله الإسرائيليون فى العدوان الأخير ليس جديدا، وإذا كانوا يسرقون أرض شعب منذ عام ١٩٤٨، ثم 1967، ويواصلون عمليات القتل والتهويد والاستيطان بلا كلل أو ملل، فليس غريبا أن يتلاعبوا بالإعلام، ويحولوه إلى أداة حربية عسكرية للإيقاع بقادة المقاومة الفلسطينية.

 

ما فعله الاحتلال الإسرائيلى مع الإعلام تفعله جيوش وأجهزة كثيرة خلال الأزمات والحروب، لكن مرة أخرى الإسرائيليين هم الأكثر تفوقا وسفورا فى ذلك.

القول والزعم بوجود حرية كاملة للإعلام الإسرائيلى خلال الحروب هو محض كذب، فهذا الإعلام ممنوع عليه أن يكتب الكثير مما يعرفه، لأنه لو فعل ذلك، فسوف يقع تحت طائلة القانون، ولذلك يلجأ الصحفيون الإسرائيليون إلى العديد من الحيل والأساليب للالتفاف على القيود الرسمية الكثيرة التى تفرضها وزارة الحرب الإسرائيلية.

الغرب وإسرائيل يكذبون دائما بأنهم الأكثر حرية وديمقراطية وخصوصا فى حريات التعبير. صحيح أنهم أفضل من العالم العربى والعالم الثالث بكثير، لكن المؤكد أنه لا توجد حرية كاملة، وأن ما فعله الإسرائيليون فى العدوان الأخير، يقول بوضوح إن مزاعمهم عن حرية الإعلام وحرية التعبير لا تصمد أمام الواقع، حينما يتعلق الأمر بالأزمات والحروب، بل هناك تقارير كثيرة تتحدث عن عمليات تلاعب ممنهجة بالإعلام والإعلاميين، حتى خلال أوقات السلم.

من يتأمل تفاصيل اتهامات الفساد المتهم فيها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو هذه الأيام، سوف يكتشف إلى أى حد انحدر الإعلام الإسرائيلى إلى قاع لم يكن يتخيله أحد.

الشروق المصرية