نشر بتاريخ: 2021/06/26 ( آخر تحديث: 2021/06/26 الساعة: 05:41 )

عبد الصمد الكباص يصدر كتابه الجديد "الجسد و أنثربولوجيا الإفراط"

نشر بتاريخ: 2021/06/26 (آخر تحديث: 2021/06/26 الساعة: 05:41)

القاهرة: صدر عن دار رؤية بالقاهرة للباحث المغربي الدكتور عبد الصمد الكباص، كتاب جديد يحمل عنوان (الجسد و أنثبرولوجيا الإفراط: خيبة التمثيل).

و يأتي هذا العمل استمرارا للمشروع الفكري الذي دشنه بكتابه "المجرى الأنطولوجي" مرورا بأعماله" الجسد و الكونية" و " الرغبة و المتعة،رؤية فلسفية" و التي يشكل فيها الجسد كمفهوم و كتجربة فضاءها الإشكالي.

ويبني الدكتور عبد الصمد الكباص عمله الجديد، على رؤية تحدد الإنسان على أساس كونه كائن لا يناسب طبيعته، و من ثمة فهو حالة إفراط دائمة محددة بنزوع دفين إلى تعدي الحدود.

ويوضح الكباص فكرة كتابه قائلا "هذا الكتاب يفند فكرة رائجة عن الجسد مفادها أن العالم حيز للجسد، ليثبت بقدراته الهائلة في الكشف أن العكس هو الصحيح، حيث أن الجسد هو المكان الذي يستوي فيه العالم و يتضاعف. فالجسد الذي يشكل الفرصة الوحيدة التي يصير فيها للأنا مكان، يحظى فيه بامتداد غير مرئي، لا يتوقف عند حدود الانفتاح على العالم و إنما يحتويه أيضا و يشكله و يستمر في إعادة تشكيله. إنه المكان حيث تتواصل القوى، تتقاطع و يُفَعِّل بعضها البعض، مثلما يعطل البعض الآخر. و في هذا المكان تفجر قوة الرغبة قوى الخيال والتصور، التي تملك صلاحية خلق و إعادة خلق العالم، و تعديله بإمداده بمزيد من الإمكانيات. فيتحول الجسد إلى خلفية ميتافيزيقية، لكل ما يحدث، خلفية تصبح من شدة كثافتها المادية المتعذرة على الاختزال، متخيلة، سابحة في الفراغ، مدركة على نحو عصي على أنها ما يفلت من كل تحديد، و ما يناهض كل واقعية مفترضة. لتنكشف من خلال ذلك حقيقة أن المحدود هو أصل كل ما ليس محدودا، و منبعه و نواة انبثاقه."

و يشير الكباص في كتابه إلى أن الجثة التي تشكل الحد البراني للجسد، أي الحد الخارجي الذي يستحيل على الجسد أن يتعرف فيه على نفسه، لأنه نمط من الوجود غير قادر على جلب قوى العالم وتفعيلها، و من ثمة يستحيل على الجسد أن يتقاطع معه، تشكل أيضا النقيض المطلق الذي عنده يتعذر تصور الكفاءة اليوتوبية للجسد. فالجثة هي استحالة ثلاثية متشابكة، إذ هي استحالة الإيقاع و الرقص و الرغبة. و هي في ذات الوقت المكان القصي الذي لا يوجد جسر يصله بالجسد، حتى و إن كان هذا الأخير كينونة من أجل الموت، أي المكان الذي يتعذر فيه تصور الإرادة الناهضة من الحياة، و التي وصفها شوبنهاور بكونها كفاح بدون نهاية. فبقدر ما تكشف أن الموت افتداء للحياة لكي تستمر بعد الكائنات الحية، فهي في نفس الوقت، تحدد الجسد بأنه المكان الذي تستحيل مقايضته. إنه الخسران المطلق الذي لا يوجد مطلقا أي تعويض عنه، بمعنى ما فالجسد هو التبادل المستحيل. أي التبادل الذي لم توجد من إمكانية لتحقيقه، إلا من خلال الأبدية، أي الانتشار خارج الزمن، الذي يكافئ خسارة الجسد الذي تؤول في نفس الوقت إلى خسارة مطلقة للزمن.

و يؤكد الدكتور عبد الصمد الكباص أن هذا الكتاب تفكير في السؤال المحرج للإنسان باعتباره كائنا لا يناسب طبيعته. هذا الكائن المسكون بخيبة التمثيل، حيث أن من يمثل ليس سوى جزء صغير من حصيلة تمثيلاته، و حيث رغبته مقرونة بخيبة التوقع، و حيث أن طبيعته أقل دائما من شساعة ما ينتظره منها. إنه حالة إفراط، كينونة محكومة بسعيها إلى تمييز نفسها في كينونة أخرى، أي حالة مضاعفة تشتبك بقوى الخارج و تجعل منه تَحْيينا لهذا الكل الكبير الذي يعبره و هو الحياة التي تتدفق قبله و تحدد إمكاناته و تتجاوزه و تمتد بعده غير آبهة به.

ويعتبر أن "بنية الانتهاك" تنتظم التجربةَ التي تعطي للإنسان خاصيته التأسيسية باعتباره كائن الشطط الذي لا يتحقق شيء من وجوده إلا في اشتباك مع الحدود التي ترسمها له ذات التجربة. إنه تعدي دائم للحدود. لذلك ظل أيضا الجسد المكان السري الذي لا يرى، والذي فيه يتكثف الغياب الذي يحضر كرغبة، التي بقدر ما تتأجج بقدر ما تزيده التباسا. ليغدو الجسد ليس ما هو واضح لنفسه فيما يرغب، و إنما ما يتجدد كفقدان لذاته في قلب نفس الرغبة التي تكوّنه.

و يوضح أن" الأمر الأهم بالنسبة لبنية الانتهاك (transgression)ليس هو التمثيل من حيث هو إقامة في قلب ما هو ممثَّل، و إنما من حيث هو الأثر الفاضح لما يستحيل تمثيله. فالحياة و الجسد و المعنى ليست سوى شبكة اللاتمثيل (non-représentation) التي تغزو عالم كائن الانتهاك ، الذي يحصر مشروعه في معاودة منهكة لاختراق الحدود التي يتحول من خلالها إلى حركة دائمة للفقدان الجدري للمدلول حيث تتشكل مناعة اللغة التي كلما تخطى حدودها إلا وسقط مرة أخرى في عمقها الذي يجد نفسه متورطا سلفا في تواطؤاته المرسخة لسيطرة الدال ، مثلما أن تجربته كجسد تتحول إلى حركة لإتلاف موضوع الرغبة و غيابه فيها. فسواء من داخل اللغة أو من داخل الرغبة يظل كائن الانتهاك منزوعا نحو خارج ما، هو عالم اللا موضوع، أي العالم الذي لا شيء فيه قابل للتعميم تحت تسمية مشتركة، عالم المفاجأة والهروب. لأن اللغة و الرغبة هما بالضبط نفوذ ما لا يمثل، إنهما دائما ما لا يوجد أبدا أي تمثيل يكافئهما... إن كائن الانتهاك يظل مدفوعا من خيبته من طبيعته التي لا تناسبه أبدا، إلى الاستثمار في النفع العام لما لا يوجد..."

و معلوم أن عبد الصمد الكباص هو الكاتب العام لمركز الأبحاث الفلسفية بالمغرب، و حاصل على الدكتوراه من جامعة القاضي عياض و سبق أن أصدر عدة أعمال فلسفية و ساهم في مؤلفات مشتركة.

"إيلاف"