نشر بتاريخ: 2018/11/30 ( آخر تحديث: 2018/11/30 الساعة: 17:27 )
عدلي صادق

عبد الله الحوراني في ذكراه

نشر بتاريخ: 2018/11/30 (آخر تحديث: 2018/11/30 الساعة: 17:27)

قبل ثماني سنوات، غادر المفكر والقطب الوطني والسياسي الفلسطيني عبد الله حوراني الى دار الأبدية، بعد رحلة زاخرة بعطاء نوعي، إذ تفاعل في كل أوقاتها، مع أحداث فلسطين والوطن العربي، وتكثفت في طموحاته الخاصة كل أحاسيس وطموحات اللاجيء الفلسطيني، الذي يصبو الى العودة الى الديار، لكي يجتمع الأهل، ويستأنفون حياتهم جيلاً بعد جيل.

كان أبو منيف شخصية استثنائية في عاطفته وفي أحاديثه الحالمة الشجية، التي اختلطت على الدوام برؤيته السياسية الثاقبة. ظل الرجل على قناعة بالمشروع الوحدوي العربي، وظل على قناعته تلك حتى لحظاته الأخيرة.  ورحل في زمن بدا فيه الوجدان الجمعي الفلسطيني، مُثقلاً بعظائم الآلام، بينما العرب متفرقون. وبالطبع، فإن الأحلام التي رافقت حياته وظل يرتبها صورة صورة، قد خبّت، وجمحت العصبيات الضيقة، والقيادات الصغرى والنعرات الذميمة والصراعات البينية، وكان هذا أكثر ما يؤلمه ويضغط على قلبه. لكن بوصلة عبد الله حوراني لم تتغير، فكلما تحدث في السياسة،  كان يحرص على تعيين الفارق بين الإحساس المتفشي  بالعجز، بحكم معطيات راهنة أو عابرة، والوعي بممكنات القوة ومكامنها، في الحقائق الراسخة المتعلقة بالأوطان والمقدرات والشعوب، إن اجتمعت الأشتات فلسطينياً وعربياً.

 عبد الله حوراني، ظل رجل حوار ووفاق، يركز على أهمية المشتركات بين من يختلفون، وعلى هامشية المسائل التي اختلفوا عليها، وعلى ضرورة وضع مصالح الأوطان وشعوبها نصب أعيننا.  وهكذا ظل دأبه كواحد من الرواد الذين شاركوا في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وفي صياغة الهوية الوطنية، وواكبوا العمل الفلسطيني في مراحل التماس مع العمل العربي أثناء الصراع.

بخلاف عبارات الرثاء الكثيرة التي يمكن أن نستذكر بها الراحل عبد الله الحوراني، نعود اليوم بعد ثماني سنوات، لنتأمل لحظة الرحيل ومناخات يوم النعي. فعاشق فلسطين الحالم بالعودة وشقيق كل لاجيء فلسطيني أينما كان؛ رأى أن صيغة أوسلو لن تصل بنا الى الحصول على جزء معتبر من الحقوق. ولأن للمزالق أحياناً، بعض الجماليات؛ فقد أتيح لأبي منيف أن يرى ــ يرى فقط ــ ملعب طفولته وحجارة بيت العائلة في المسمية، والطريق من بيته الى مدرسته. لذا فإن أوسلو التي أرادوا من خلالها شطب حق العودة، كانت سبباً في اشتعال جديد للحنين الى مرابع الطفولة، وإصرار جديد على التمسك بحق العودة!

توفي أبو منيف في عمان، في وقت أصبحت فيه منطمة التحرير الفلسطينية، في جيب رجل واحد، جمعته به صداقة قديمة، لكنه جعل من أوسلو خياره الوحيد، يصادق فيه ويخاصم عليه. بل يصادق على أردأ تطبيقات أوسلو ويخاصم دفاعاً عنها. كان حال "المنظمة" أحد أهم هموم عبد الله حوراني، وهو يعلم أن لدى عباس، إشكالية مع تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية ورموزها وثقافتها وكادرها. وبقدر ما يستطيع، كان أبو منيف يعترض أو ينصح مع الشرح والتركيز، ولم يكن في السنوات الأخيرة يملك أكثر من الاعتراض والنصيحة. فالملعب بالنسبة له غير مُعشب، إذ تجتاح جنازير الاحتلال المدن والقرى وتحوم حول "المقاطعة" التي بداخلها يتنافخ رئيس السلطة. وأزيلت الخطوط التي رُسمت على خارطة التسوية، ولم يتبق من السلطة سوى دورها الأمني الوظيفي، ولم يعد أحد يعرف الى أين أوصلت الدروب منظمة التحرير التي أسهم الرجل في بنائها وفي إنجازاتها، ولا ما الذي ينوي عباس أن يفعله بخصوصها، ومن ملعبه غير المُعشّب!

في ذكرى يوم تقسيم وطنه الذي أحب، في العام 2010 أسلم عبد الله الحوراني الروح الجميلة التي استأنس بها الوطنيون. وعلى الرغم من قامته العالية وتاريخه كأحد فرسان منظمة التحرير والعمل القومي وعلاقاته العربية الواسعه، لم يُقم له مجلس عزاء في "المقاطعة" وكان ذلك من محاسن البغضاء، لأن "المقاطعة" التي استنكفت، لم تكن تلائم عبد الله الحوراني ولا هو يلائمها!

أحوال البلاد