مصر والأردن.. والفراغ الامريكي
نبيل عمرو
مصر والأردن.. والفراغ الامريكي
حركة السياسة تشبه حركة الماء في الاواني المستطرقة، حيث وجد الفراغ يمضي الماء. حدث ذلك كقانون في القضية المزمنة «الشرق الاوسط» ومركزها الفلسطينية، ولا لزوم لايراد امثلة اذ اكتفي بالقول، ما كانت مياه التسوية لتتحرك لولا احداث كبرى املتها حرب وقعت او حرب ستقع.
الواقع المأساوي لمشاريع الحلول الشرق اوسطية جعل واحدة من اهم مناطق العالم تقع تحت تأثير معادلة غريبة.. خطوة الى الامام تنتج خطوتين الى الخلف حتى اذا ما استقرت التسوية بين مصر والاردن من جهة واسرائيل من جهة اخرى، الا انها ظلت واقعة تحت تأثير سلبي بفعل عدم استكمال حلقات التسوية الشاملة التي توفر استقرارا ارسخ للجميع بدل الاستقرار المضطرب الذي تنتجه الحلقات الغائبة.
اخر محاولات تسوية اكتسبت جدية مبالغا فيها كانت محاولة اوسلو، ومثلما وقعت المنطقة كلها تحت خطر عدم استكمال الحلقات، وقعت محاولة اوسلو تحت خطر عدم استكمال الشروط، فشلت اوسلو ولم يبق منها غير ارث مؤلم فرضه الامر الواقع الذي جعل طرفيه خائفين من تحرير شهادة الوفاة خشية المضاعفات الكارثية التي ستنجم عن التعامل مع التركة غير ان الواقع القائم الان يقول.. ان اسرائيل مرتاحة على معادلة.. ما تريده فهو تطبيق لاوسلو وما لا تريده فهو خروج من الطرف الاخر عليه.
ووفق هذه المعادلة وقع الفلسطيني في حالة اختناق، ما من وسيلة كي يتنفس سوى الاجهزة الاصطناعية التي هي كلها متوفرة في المستودعات الاسرائيلية فقط، حالة الاختناق هذه تشمل الوضع الفلسطيني بجملته وتفاصيله، هي في الضفة كما نرى احتلال غير معلن الا انه كامل الشروط، وفي غزة حصار خانق لا يقل اذى عن الاحتلال المباشر، حتى المائة دولار التي تنقط قطرات في الحلق الجاف للعائلات المستورة صارت بحاجة للتفاوض كما لو ان الامر يتعلق بمصير.
وتزويد المولدات بالوقود فقد استهلك من الوقت والجهد ما يكفي لحل اعقد القضايا الدولية في اي مكان آخر، اما اعادة الاعمار التي ينتظرها الغزيون قبل حلول الشتاء فهذا يبدو حتى الان الاكثر تعقيدا من كل ما يتضمنه ملف غزة المكتظ، وهذا وان كان بعض حصة اسرائيل في الامر الا ان حصة الفلسطينيين.. فحدث ولا حرج.
اختلاف في كل شيء وانقسام على كل شيء مع معادلة هي الاغرب مفادها كلما ازدادت الحاجة لوئام فلسطيني فلسطيني يزداد الانقسام تكرسا وتعمقا حتى يبدو لقلة العمل على انهاءه كما لو انه صار مستحيلا.
الوضع الفلسطيني والمؤثر الاسرائيلي الشامل فيه لم يقتصر في مفاعيله السلبية على اهل فلسطين وحدهم بل اصاب وما يزال كل المتصلين به جغرافيا وبشريا ومصالح. وهنا لا مناص من القاء نظرة موضوعية على اهم طرفين في المعادلة.. مصر والاردن، وهما دولتان نوعيتان بكل ما تعنيه الكلمة في الشرق الاوسط والقضية الفلسطينية، ولا لزوم هنا للتوسع في ايراد القرائن الدالة على ذلك.
هاتان الدولتان وان كانتا نجحتا في الحفاظ على الاتفاقيات المبرمة مع اسرائيل، الا ان مسؤولياتهما ازاء مصالحهما الحيوية تجعلهما اكثر حرصا بل وعملا على اغلاق الملفات وفق تسوية شاملة تستكمل فيها الحلقات الغائبة، ذلك ان مصر الكبيرة التي انهمكت في معالجة اوضاع غزة دائمة الاشتعال والاضطراب، تدرك اكثر بكثير من غيرها بأن غزة ليست فلسطين كلها وتدرك بوعي الدولة الكبرى ان لا مجال لاستقرار اي صيغة تتعلق بالجزء ان لم تكتمل بالكل وما ينطبق على مصر ينطبق على الاردن دون التقليل من الخصوصية الايجابية التي تميز العلاقات الفلسطينية الاردنية التي هي الان في افضل حالاتها من الصفاء والنضج.
يتحدثون في اسرائيل عن حركة مصرية تتجاوز المسألة الغزية باتجاه اعادة الحياة لعملية سلام ما يزال فيها بعض رمق، ويتحدثون كذلك عن جهود اردنية مستمرة احد اهم محطاتها لقاءات الملك في واشنطن وربما لقاءات اخرى.
الاردنيون والمصريون ليسوا وسطاء او متضامنين بل هما الاكثر تأهيلا في اداء دور فعال نحو تسوية عادلة شاملة واذا كان الاستنكاف الامريكي عن استئناف الاهتمام المباشر والذي كان ملحا في وقت مضى حيال الملف الفلسطيني الاسرائيلي ينظر اليه كعامل سلبي الا ان الامر ربما يكون ليس كذلك بالضبط ذلك ان التعويض لا بد وان يأتي من المنطقة ومن الاقربين الى جغرافيا وتاريخ وحاضر ومستقبل القضية الفلسطينية.
لقد فوضت امريكا مصر لملء فراغ غزة حين احتاجت لذلك فمن هو الاجدر من الاردن ومصر ومن ورائهما من العرب لمعالجة الفراغ الاكثر اتساعا وخطرا من تفاعلات المسألة الغزية.. نعم هنالك قرار اسرائيلي ما يزال واقعا تحت طائلة وهم اخضاع الفلسطينيين، الا ان هذا القرار صار يحمل اسرائيل اوزارا اكثر مما يرتب لها من مزايا وهذه حقيقة ان لم تكن حاسمة الان الا انها قوية التأثير لو تم استخدامها من جانبنا.
الدستور الأردنية