يشهد الدولار منذ عدة أيام تراجعا في إسرائيل، حيث واصل سعر صرف الدولار الانخفاض أمام الشيكل الإسرائيلي، إلى أدنى مستوى له منذ نحو عشرين عاما، مما أثار مخلوف كبيرة حول تداعيات هذا التراجع وآثاره المتوقعة على الحركة الشرائية، والتجارة الخارجية، والطاقة الانتاجية خاصة في اسرائيل، والسوق الفلسطيني المرتبط كليا بالاقتصاد الاسرائيلي

لقد شكل الهبوط المفاجئ لسعر تداول سعر صرف الدولار، عند مستوى 3.16 شيكل يوم الجمعة، حالة ارتباك كبير في اسواق الصرف، لحالة عدم اليقين التي سادت اجواء المتعاملين خاصة كبار التجار، وغرف التداول، والمستهلكين، وهذا ما دفعنا لتحليل هذا المشهد المفاجئ، لاستشراف مستقبل تداول الدولار في الأمد القصير والبعيد، لتجنيب المتعاملين به مزيد من الخسائر بخاصة في التعاملات التجارية الخارجية.

على الصعيد العالمي، هناك عدة عوامل كانت وراء انخفاض سعر صرف الدولار، كان أهمها تعافي أسواق رأس المال والأسهم، بعد بدء التعافي عالميا من آثار جائحة كورونا، وتحقيق كثير من المستثمرين مكاسب ربحية من بيع الأسهم والسندات، مما أدى الى تحقيق فوائض بمليارات الدولارات، أدت إلى تغيير وجه هؤلاء المستثمرين وخاصة شركات الاستثمار الإسرائيلية نحو شراء سندات إسرائيلية حكومية ذات عوائد وضمانات مرتفعة، إلى جانب الارتفاع الملحوظ في الاستثمار الأجنبي في إسرائيل حيث وصل الى مستوى 101 مليار دولار نهاية سبتمبر الحالي، مع بدء تدفق استثمارات خليجية وعربية بعد التطبيع مع إسرائيل، وافتتاح قنصليات تجارية إسرائيلية في دول التطبيع العربية، حيث تعمل إدارة التجارة الخارجية الإسرائيلية، التابعة لوزارة الاقتصاد، في أكثر من 50 مركزا للأعمال حول العالم، كما نمت تحويلات العاملين من الخارج لتصل الى مستوى 1.4 مليار دولار، وتدفقات رأس المال الى 4.8مليار دولار، إلى جانب الفائض في الحساب الجاري الذي بلغ حوالي 6.5 مليار دولار، خلال النصف الأول من هذا العام، مما ساهم في زيادة الطلب على عملة الشيكل المحلية ودفعها نحو الارتفاع ، عامل مهم اخر هو النمو الكبير في الصادرات الإسرائيلية إلى العالم الخارجي، حيث ارتفعت قيمة الصادرات إلى الخارج 5.4 بالمئة إلى 72.2 مليار شيكل (22.2 مليار دولار) منها حوالي 8.3 صادرات عسكرية (رادارات ومعدات عسكرية الكترونية) وتعتبر هذه القناة من أكثر القنوات تاثيرا على أسعار صرف الدولار، حيث يميل التجار الخارجيين الى تحويل العملة الأجنبية الدولار، ومبادلتها محليا بعملة الشيكل لدفع قيمة الصادرات، وهو ما يؤدي الى زيادة الطلب على عملة الشيكل ويدفعها نحو الارتفاع، خاصة في ظل عدم تدخل البنك المركزي الإسرائيلي الذي اكتفى حتى الان بشراء ما يقارب 25 مليار دولار منذ بداية العام الحالي من الأسواق لمواجهة الطلب المتزايد على عملة الشيكل والحفاظ على توازن أسعار الصرف

على الصعيد المحلي بنك إسرائيل قد لا يستمر في شراء كميات كبيرة من العملات الأجنبية رغم أنه اقر بأنه من المحتمل أن يتجاوز المبلغ المخطط لشرائه و هو 30 مليار دولار لعام 2021 .

على نحو اخر يتاثر السوق الفلسطيني بشكل مباشر بالتغيرات التي تحدث لأسعار الصرف في أسواق المال الإسرائيلية، بسبب الارتباط الكبير بينهما، وغياب العملة الفلسطينية، والارتكاز على ثلاث عملات في التعاملات المالية وهي الشيكل الإسرائيلي، والدينار، والدولار، مما يجعل سلطة النقد الفلسطينية عاجزة عن اتباع سياسة نقدية لمواجهة هكذا تطورات مالية.

وبتناول اسعار صرف الدولار مقابل اهم التداولات مثل الذهب، وبرميل النفط الخام واليورو، نجد ان تداولات سعر صرف أونصة الذهب حققت تقدما خلال تداولات الأمس حيث بلغ السعر 1810 دولار للأونصة و بناء عليه وعلى ما تشيره المؤشرات الفنية و معدلات التحرك فإننا نتوقع استمرار المسار العرضي الصاعد للأونصة، اما اسعار صرف الدولار مقابل اليورو فقد حقق سعر صرف اليورو توقعات إيجابية خلال تداولات الأمس مقابل الدولار الأمريكي ليتداول على السعر 1.1691 و بحسب ما تشيره علينا المؤشرات الفنية و معدلات التحرك فإننا نتوقع استمرار المسار الصاعد لليورو، أما على صعيد تداولات  سعر صرف برميل النفط الخام خلال جلسة تداولات الأمس فقد تأرجحت ليتداول بين المستويين 80.10 و 82.63 دولار للبرميل وبحسب ما تشيره علينا المؤشرات الفنية و معدلات التحرك فإننا نتوقع استمرار التأرجح لسعر برميل النفط الخام على الصعيد اليومي.

وفي ظل هذه التطورات الحالية يتوقع في الامد القصير ان تستمر الضغوط على الدولار الامريكي ويستمر في التراجع عند مستويات قياسية محليا

على الأمد الطويل سيكون هناك تدخل من بنك إسرائيل لشراء مزيد من مليارات الدولارات من سوق إسرائيل، خاصة في ظل المخاوف الإسرائيلية من تأثر الصادرات وتراجع مبيعات إسرائيل إلى العالم الخارجي والعالم العربي، مما يشكل نقاط دعم جديدة للدولار، ويقوده نحو الثبات ولكن عند مستويات اقل من السابق.