نشر بتاريخ: 2022/02/21 ( آخر تحديث: 2022/02/21 الساعة: 06:55 )
إبراهيم شعبان

هل غدت منظمة التحرير ضمن دوائر الدولة؟!‏

نشر بتاريخ: 2022/02/21 (آخر تحديث: 2022/02/21 الساعة: 06:55)

أثارت المادة الأولى من مواد قرار بقانون حديث بعنوان (قرار بقانون رقم لسنة 2022 بشأن ‏دعاوى الحكومة) (قانون مؤقت) لم ينشر بعد بالوقائع الفلسطينية (الجريدة الرسمية)، نقاشا ‏حادا بين كثير من المثقفين الفلسطينيين وبخاصة القانونيين، لأنه وصف منظمة التحرير ‏الفلسطينية بأنها دائرة من دوائر الدولة الفلسطينية العتيدة. وابدى الكثير انتقاده لهذه المادة ‏المقترحة، بل ابدى بعضهم سخطه عليها وتوجهاتها السياسية. وانهالت التعليقات من كل حدب ‏وصوب عليها في انتقاد المادة المقترحة وبيان خطورتها، رغم أنها قاعدة قانونية ليس إلا في ‏قانون للتقاضي، مما جعل من اقترحها وصاغها ووضعها يعلن التراجع عنها واللجوء لصياغة ‏جديدة كما ورد في الأنباء. ‏
أصل المشكلة حينما أولج المشرع الفلسطيني الفرد نفسه عبر المادة الأولى من قرار بقانون ‏دعاوى الحكومة في تعريف واسع مقصود لدوائر الدولة الفلسطينية حين ذكر في الفقرة الأولى ‏أن ” منظمة التحرير الفلسطينية ودوائرها ومؤسساتها والمؤسسات التابعة لها كافة “. وكأن ‏النص المذكور أراد تعبئة فراغ حاصل عبر وضع مرجعية للتقاضي أمام المحاكم النظامية ‏المحلية بان جعلها مختصة في النزاعات والخصومات التي تكون منظمة التحرير الفلسطينية ‏طرفا فيها سواء بشكل مدعٍ أم مدعى عليها. لكن المشرع جانبه الصواب بمفرداته وصياغتها. ‏
يبدو ظاهريا ان المشرع الفلسطيني الفرد وبحسن نية قد سهت عليه الاثار الخطيرة الذي يرتبه ‏مثل هذا النص القانوني في قرار بقانون، وبخاصة ان الحديث يدور عن منظمة التحرير ‏الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، أو أنه أراد جعل الأمر بالون اختبار ‏لقضايا قادمة، إذ تم وضع النص القانوني في قانون هامشي نسبيا لا يلتفت إليه، أي قانون غير ‏أساسي ولا ينظم موضوعا دستوريا باعتباره قانونا للتقاضي ليس إلا، بل ولا يمت للدستور بأية ‏صلة سوى صلته بحق التقاضي. تأويلات كثيرة وتحليلات عديدة يمكن أن تثار، لكن يجب ‏الاقتصار على الأمر الظاهري فقط دون سواه إذا أحسنت النوايا. ‏
قيل في نقد هذا النص أنه ينفي منظمة التحرير الفلسطينية ودورها وهي خالقة الدولة ‏الفلسطينية، وينفي دور المجلس المركزي الخالق للسلطة الوطنية الفلسطينية، والمجلس ‏الوطني ويتعارض مع الميثاق الوطني الفلسطيني. بل وصل الأمر ببعضهم أن اعتبر هذا ‏النص خطوة أولى لإنهاء دور منظمة التحرير ودعوة لاختفائها أو على الأقل يرمي لتقزيم دور ‏منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. ‏
قيل وبحق أن الفرع يتبع الأصل دلالة وحكما، وأضيف إذا سقط الأصل سقط الفرع، ولكن ‏الأمر فيه خلط . صحيح ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الأسبق زمانيا وتمثيلا عن الدولة ‏العتيدة، لكنها ليست خالقة السلطة الوطنية الفلسطينية. فالأخيرة نتاج اتفاقات أوسلو حرفيا ‏وبدون تجميل، وهي صراحة التي بتنا نلعنها صباح مساء في حين باركناها عشية حدوثها ‏ونثرنا الورود على من صنعها.
واليوم غدت لعنة قامت واضرت بحقوق الشعب الفلسطيني، ‏وهي ليست من خلق المجلس المركزي الفلسطيني، إلا إذا أردنا الإلتفاف على أوسلو وهو غير ‏صحيح. فحتى قرارات المجلس المركزي كانت نتيجة لإتفاقيات أوسلو وليس العكس، وقرارات ‏المجلس المركزي لاحقة لإتفاقيات أوسلو وليس العكس. وهذا الإلتفاف مرده رفض شرعية ‏أوسلو رغم عدم دقته. والإنصاف يقتضي منا القول أن الدولة الفلسطينية ليست من صنع ‏اتفاقات أوسلو التي حظرت اي استباق دون اتفاق مشترك بين الجانبين، بل من صنع منظمة ‏التحرير الفلسطينية رغم هزال وضعف هذه الدولة. لكن التداخل والتقاطع بين شخوص منظمة ‏التحرير وشخوص السلطة الفلسطينية قاد لتشوهات خلقية وموضوعية وشكلية حتى وصل ‏الأمرإلى ما وصل إليه. فالإزدواجية بين المنظمة والدولة والسلطة سابقا، وعدم وضوح دور ‏كل منها، وتهميش دور منظمة التحرير لحساب السلطة ثم الدولة، وتطبيق تشريعات سميت ‏ثورية ما كانت لتطبق لولا صلتها بمنظمة التحرير الفلسطينية، وعدم سريان تشريعات للدولة ‏الفلسطينية على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. تداخلات وتناقضات وتقاطعات أفرزت ‏في النهاية المادة الأولى وغيرها من قانون دعاوى الحكومة.‏

ولعل نظرة واحدة على مقدمة هذا القرار بقانون تكفي لبيان هذا التقاطع بالإختصاص بين ‏منظمة التحرير الفلسطينية والدولة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وكأن المشرع الفرد يخشى ‏أن يقع في المحظور فيورد كل هذه الصفات معا. فهو بدأ برئيس دولة فلسطين ثم ينتقل لرئيس ‏اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية استنادا لنظامها الأساسي ثم ينتقل فورا للقانون ‏الأساس لسنة 2003، وكأنه لا يفرق بين هؤلاء الاشخاص وهذه الأدوات ويمزج بينها بطريقة ‏غير مبررة وغير قانونية . وكأنه يفترض أن لا تناقض بينها من ناحية قانونية وبالتالي ألدولة ‏هي المنظمة والمنظمة هي الدولة ونقل فؤادك حيثما شئت من الهوى. ويجب أن لا نغفل عن أن ‏جميع القوانين الحديثة سنتها السلطة الفلسطينية ورئيسها ومجلسها التشريعي وليس اللجنة ‏التنفيذية لمنظمة التحرير وليس المجلس المركزي وليس الدولة الفلسطينية ولا رئيسها.‏
لو وجد مجلس تشريعي فلسطيني لما وقع هذا اللغط التشريعي، فهناك لجنة قانونية وقراءات ‏قانونية ثلاث وتصويت على كل قاعدة قانونية وتصويت على مجمل القانون المقترح كاملا. ‏وقطعا كل هذه الأمور لن تجعل مثل هذا النص الإشكالي يمر بسهولة ويثير كل هذا النقاش ‏الذي لا طائل تحته. ولو وجد مجلس تشريعي لما احتجنا لكل هذه المقدمات وذكر القوانين ‏والقرارات وحتى الاراء. وكيف لنا ان نتخيل صدور قرارين بقانونين في موضوع واحد إلا من ‏خلال عدم وجود رؤية قانونية سليمة. فقد صدر قرار بقانون لسنة 2014 وها نحن بصدد قرار ‏بقانون لسنة 2022 في موضوع واحد هو دعاوى الحكومة، فكيف يكون هذا التكرار في ‏موضوع استثنائي ضيق؟
‏ ولأول مرة نسمع ونقرا أن راي مجلس القضاء الأعلى يعتبر سندا في مقدمة إصدار قرار ‏بقانون كما تم عندنا، وكأن رأي مجلس الدولة المصري أو المحكمة الدستورية أو العليا تكون ‏سندا لقانون ما. وماذا لو طعن بهذا القرار بقانون وبعدم دستوريته ، ماذا سيكون موقف مجلس ‏القضاء الأعلى الذي أعطى موافقته المسبقة على هذا القرار بقانون. ولو دققنا تاريخ راي ‏مجلس القضاء الأعلى لوجدناه صادرا في يوم 7/2/2022 وصدر القرار بقانون يوم ‏‏8/2/2022. ألا يدعو ذلك للتساؤل؟! ‏
لو وجد مجلس تشريعي لما وجدنا آفة سيل القرارات بقانون التي جعلها المشرع الفلسطيني في ‏المادة 43 من القانون الأساس الملاذ الأخير وفقط وفقط في حالة الضرورة التي لا تحتمل ‏التأخير. فاين نحن من تطبيق هذا النص الدقيق الضيق الذي يجيز للرئيس أن يلجأ إليه في حالة ‏غياب المجلس التشريعي وقطعا في حالة ” الضرورة التي لا تحتمل التاخير “. فليس كل ‏ضرورة لا يمكن تأخيرها مما استدعى هذا الكم الهائل من القرارات بقوانين. وهي قرارات ‏تحتاج لعرض فوري في حالة التئام مجلس تشريعي جديد، وكأن هذه القرارات قصد منها إلغاء ‏اي دور للمجلس التشريعي القادم.‏
تعامل القوانين في بلدي كرداء يتم تفصيله ثم يلبس لحالة خاصة، فإن انتهت صلاحيته، وجاءت ‏حالة جديدة، حينها يرمى القانون فيغدو قديما، ويتم تفصيل قانون جديد ليلائم الوضع الجديد ‏وعليه قس، وكأننا في حالة ديكالتيكية كالجدل الفكري. وهذا ما وصفه فقيه القوانين العربي ‏الأكبر عبد الرزاق السنهوري بالإنحراف التشريعي قبل سبعين عاما من يومنا هذا.‏
القانون قاعدة عامة مجردة تنظم سلوك الأفراد والمجتمع والسلط ويسمو على السلوك الفردي، ‏بل على الأخير أن يتقيد بالقانون ويقيم سيادة القانون والدولة القانونية. فإن غاب المجلس ‏التشريعي فيجب أن تمتنع السلطة التنفيذية عن التشريع تماما إلا في حالة الضرورة التي لا ‏تحتمل التأخير وأن لا نعتبرها فرصة متاحة للتشريع حيث لا رقيب ولا حسيب فلأن تكون ‏واثقا خير من ان تصبح نادما ومن نظر في العواقب سلم من النوائب!!!