نشر بتاريخ: 2018/03/15 ( آخر تحديث: 2018/03/15 الساعة: 10:29 )
عدلي صادق

مفارقات مؤتمر "إنقاذ غزة"

نشر بتاريخ: 2018/03/15 (آخر تحديث: 2018/03/15 الساعة: 10:29)

أعلنت السلطة الفلسطينية عن تطيرها مما يسمى "مؤتمر إنقاذ غزة" الذي التأم في البيت الأبيض، واستضافه حصراً، جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب ومستشاره، بحضور المبعوث الأمريكي الى ما يسمى مفاوضات الشرق الأوسط جاسون غرينبلات وأعضاء من مجلس الأمن القومي الأمريكي، ووزراة الخارجية الأمريكية، وممثلين عن الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومكتب اللجنة الدولية الرباعية لرعاية العملية السلمية، وممثلون لمجموعة من الدول المانحة والوازنة.

وفي الحقيقة، لا يسعنا، ابتداءً، الا أن نشارك قيادة السلطة الفلسطينية تعففها وتأففها من أي عمل أو إجراء، يبادر اليه البيت الأبيض، بعد فِعلة إدارة ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والإعلان عن نقل السفارة الأمريكية اليها. غير أن التعفف والتأفف، يتعلق بالجانب الأمريكي وحده. أما بالنسبة لدوافع حضور دول أخرى، فإن هناك وجهة نظر نقدية ومختلفة، ترى أن قيادة السلطة تتحمل مسؤولية جسيمة عن نجاح كوشنر في عقد مؤتمر كهذا. ففرضية بؤس غزة، التي ينعقد المؤتمر على أساسها، لم تنشأ بأفاعيل الأمريكيين والمحتلين الإسرائيليين وحدهم، وإلا لكان هناك مؤتمر لإنقاذ رام الله مثلاً، على اعتبار أن المدينة وسكانها أكثر انكشافاً للمحتلين من غزة!

يصح أن نتساءل: هل كان  الغاضب العباسي من مؤتمر كوشنر في البيت الأبيض، يؤدي واجبه حيال غزة، أم إنه لم يكتف بالامتناع عن أداء الواجب وحسب، وإنما ألحق الأذى بها حتى أوصلها الى بؤسها متباهياً بذلك، مع التلويح بالتصعيد، حتى أصبح المتطرف الصهيوني الحاقد، أفيغدور ليبرمان راغباً في التباكي على حال غزة؟!

يفتحون الثغرات بأيديهم في بطن الوطن، ثم يرتدون عباءة الوطنية والتشدد والخوف على القضية، ويقولون إن ترامب وكوشنر يستغلان الثغرة والبؤس، للإجهاز على القضية. وكأن حضراتهم، يمنحون شعبهم مقومات الحياة وينعشون غزة بالتنمية بعد سداد الحقوق وتوفير الأرزاق، ويستمرون في بناء القضية وتعزيز قوتها وقوة الموقف الوطني بتكريس العدالة والشفافية!

الدول الحاضرة في مؤتمر كوشنر، ليست من شاكلة ترامب وصهره، باستثناء إسرائيل الحاضرة بنوايا سيئة. إن سائر الدول الحاضرة، تشعر بالخطر من التداعيات الأمنية والسياسية وحتى البيئية والاجتماعية من انفجار غزة. والدول الحاضرة،  هي قطر والأردن ومصر والسعودية والبحرين والإمارات وعُمان، وكندا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والنرويج والسويد وأيرلندا وقبرص وإيطاليا وسويسرا  وهولندا واليابان، ومع هؤلاء جميعاً الدولة أصل الشر وهي إسرائيل!

حاضرو مؤتمر البيت الأبيض الذي يزعم كوشنر أنه لإنقاذ غزة؛ يمثلون باقة متنوعة من الدول التي لا يصح اتهامها بشيء، وإنما يصح أن يشتق عباس من حضورها سؤالاً يوجهه لنفسه: كيف ولماذا حصل كوشنر المتصهين على فرصة التباكي على غزة، حسب وصف د. صائب عريقات؟! ولماذا استطاع البيت الأبيض، طرح نفسه جديراً بأن يفصل بين سكان غزة وأعدائه فيها من فصائل المقاومة؟ ولماذا ترى إسرائيل وأمريكا بؤس غزة مع رؤية سلاح المقاومة فيها، فتفصلان بين السلاح والبؤس، بينما عباس وبطانته يرون السلاح، ولا يرون البؤس، فيدمجان غزة مع السلاح ، ويريدان نزع الأول وتعميق البؤس؟!

من المفترض، قبل العتب على الإدارة الأمريكية وعلى كوشنر وعلى الحاضرين، أن ينظر الجاني في المرآة لكي يرى نفسه، لعله يخجل أو لعله يتذكر أن حال غزة وحال النظام الفلسطيني هما من بين الأسباب التي جعلت ترامب يستهتر بنا ويعلن ما أعلنه بشأن القدس، بعد أن رأى سقف أمنيات المعذبين، في زمن عباس، لقمة خبز وبعض النصائح لإنفاذ القانون!

مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية قالت في طبعتها الشهرية التي صدرت اليوم؛ إن مؤتمر البيت الأبيض،  بُني على لقاء عُقد في القاهرة في الأسبوع الماضي، للبحث في آليات تنفيذ أفكار ما تسمى "لجنة الارتباط الدولية الخاصة" المكونة من خمسة عشر عضوًا وكانت قد تأسست في أكتوبر 1993 وتعمل باعتبارها آلية التنسيق الرئيسية على مستوى السياسات، للمساعدة الإنمائية للشعب الفلسطيني. فالنرويج المحترمة، تترأس هذه اللجنة، التي يشترك في رعايتها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة مع البنك الدولي. وهؤلاء لهم ممثلون يكتبون التقارير عن غزة وعن حال مؤسسات السلطة التي دفعوا مالاً كثيرا لبنائها، وعن وضعية النظام السياسي والتفرد فيه، وشطب المؤسسات وليس عدم الفصل بينها وحسب.

هؤلاء صبروا على تفرد عباس وعلى فساده وفساد بطانته، لكي يحصلوا منه على تنازلات ليست من حقه ولا يملك أن يقدمها. اليوم هم يتصرفون من تلقاء أنفسهم، وإن استطال أمد حكم عباس، سنجدهم يعقدون مؤتمراً جديداً في بلجيكا مثلاً، لإنقاذ المؤسسات الفلسطينية وإطلاق الحريات وإزاحة الرمم الذين يسممون البيئة ويتسببون في إنعاش التطرف. فالغرب والإمبرياليون لديهم دائماً خطط ومحاولات لإقناع ضحاياهم أنهم الأكرم والأرحم من أبناء جلدتهم الحاكمين، وبقية الحكاية معروفة!