الدور الثقافي المفقود للدبلوماسية الفلسطينية
غسان زقطان
الدور الثقافي المفقود للدبلوماسية الفلسطينية
لا تعكس النخبة السياسية الفلسطينية الواقع الفلسطيني، ثمة فجوة تتفاقم منذ عقود بين الحاضنة الشعبية بشرائحها المختلفة وممثليها والمتحدثين باسمها، هذه حقيقة تصعد مع كل حادث، وفي البحث تشارك في معظم الأزمات المستعصية في المشهد الفلسطيني، أزمات تبدأ على شكل حوادث قبل أن تستقر كمرض في النظام نفسه.
يمكن استحضار نماذج من نوع تأبيد «الانقسام» واستعصاء «المصالحة»، تفكيك فكرة «الديمقراطية» في المنظمات الشعبية التابعة لمنظمة التحرير من خلال المحاصصة وعرف «النصف + واحد»، العرف الذي أودى بهذه المنظمات وأبعدها تماماً عن دورها كرافعات شعبية للمنظمة الإطار الوطني للشعب الفلسطيني، وأدخلها في دائرة مغلقة من تكرار الأسماء وثباتها بما يعنيه التكرار من فقر المضامين والثبات من التكلس والجمود.
استراتيجية التحايل على كل شيء تقريباً وحيثما أمكن، مثل عملية الانتخابات من تشكيل مجلس قروي معزول لعائلتين وحتى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، أو تجنب فكرة الانتخابات برمتها كما يحدث في غزة.
أريد أن تقودني هذه المقدمة وظواهرها على تعددها إلى استعراض المفهوم القاصر للعمل الدبلوماسي الفلسطيني، الشبكة الواسعة المكلفة لممثليات منظمة التحرير وموظفيها والعاملين فيها، والتي يصعب فهم حصر دورها بتقليد التصريحات الصادرة عن المركز، تقليد يفتقر إلى الإبداع وقراءة واقع الساحات التي تمثل فلسطين فيها، واصطفافات الشرائح الاجتماعية التي تتوجه لها، التي من المفترض أن تعمل في أوساطها.
انعزال معظم هذه الممثليات عن القوى الفاعلة في هذه الساحات، والمكونات الثقافية الناشطة أفراداً ومؤسسات، وشبه غيابها عن المشهد الثقافي في مجتمعات تشكل الثقافة محركاً رئيساً في صناعة توجهاتها، ما يعني ضعف ضخ الوقائع والمعلومات والحقائق لهذه المجتمعات، وتحول الموضوع الفلسطيني إلى محاولات متقطعة لردات فعل محبوسة في بيانات مستهلكة.
بالصدفة شاركت في الكثير من الفعاليات الثقافية في أكثر من مكان، وكنت أعود في كل مرة بانطباع وحيد وهو غياب تأثيرنا وعزلة دبلوماسيتنا، وقصور قراءتها للمتغيرات من جهة وافتقارها إلى لغة الخطاب الملائمة من جهة ثانية.
الأكثر خطورة وألماً هو عزلة معظم هذه الممثليات عن الجاليات الفلسطينية المقيمة في ساحاتها، وضعف صلتها بالمركز، ما يحولها إلى «مكاتب» موحشة بلا مهمات حقيقية.
الأمر في اعتقادي بحاجة إلى إعادة قراءة شاملة لأحوال هذه الممثليات وكفاءتها، وطريقة اختيار وتأهيل العاملين فيها، والاستفادة من مصادر المركز ومؤسسات المجتمع الأهلي، والخروج من الدائرة العشوائية التي تتكاثر فيها وحدها، وتعيد إنتاج جهلها وتعميمه.
كل هذا وغيره يتراكم في الشق منذ سنوات ويحوله إلى فجوة هائلة تتسع دون توقف، وتدفع النخبة السياسية بعيداً عن القاعدة.