نشر بتاريخ: 2019/02/24 ( آخر تحديث: 2019/02/24 الساعة: 15:20 )
محمد خليفة

«إسرائيل» والمبادرات السياسية

نشر بتاريخ: 2019/02/24 (آخر تحديث: 2019/02/24 الساعة: 15:20)

مرة أخرى تزدري «إسرائيل» الشعب الفلسطيني، وتنتهج المزيد من سياسات الضلال والطغيان ضده، فقد أصدر مجلس الوزراء «الإسرائيلي» يوم الاثنين الماضي قراراً باستقطاع نحو 130 مليون دولار من أموال الضرائب الفلسطينية. ويعتبر هذا القرار مخالفاً لكل الاتفاقيات التي تحدد العلاقة الاقتصادية بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية. وكان مؤخراً قد صوّت «مكتب الليكود» على قرار يرفض إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، ونص القرار على دعوة كافة ناخبي «حزب الليكود» للتصويت؛ لإظهار المعارضة الشديدة للمبادرات السياسية، مثل: المبادرة العربية أو الفرنسية، والتي هدفها العودة إلى حدود عام 1967، وإخلاء المستوطنات، وتقسيم القدس، وعودة اللاجئين.

وشدد القرار أيضاً على ضرورة بذل المزيد من الضغوط على السلطة الفلسطينية لسحب شكاواها لدى المنظمات الدولية مثل: «اليونسكو» والأمم المتحدة، وكذلك الاستعداد لليوم التالي لانهيار السلطة الفلسطينية. وذكرت وسائل إعلام «إسرائيلية» أن «مركز الليكود»، وهو أعلى سلطة حزبية ويتكون من 3000 عضو، صوّت على قرار وقّع عليه 800 عضو مركزي من كافة أنحاء «إسرائيل»، والذي ينص على فرض القانون «الإسرائيلي» على المستوطنات، وحرية البناء الاستيطاني دون أية قيود.

وفي الحقيقة لقد فعل «حزب الليكود» خيراً بإصداره مثل هذه القرارات؛ لأنه أراح الشعب الفلسطيني والعرب من وهم السلام، كما أنه كشف للعالم أجمع من هو الطرف الذي لا يريد السلام. فخلال السنوات الطويلة الماضية ظلت «إسرائيل» تظهر نفسها كدولة ديمقراطية صغيرة مستهدفة من قبل ملايين العرب المحيطين بها، وأنها مضطرة لامتلاك السلاح النووي، لكي تحفظ أمنها، وتردع أي محاولة للقضاء عليها، وظلت تستجدي تعاطف العالم حيناً، وتبتزه أحايين أخرى من أجل تنفيذ أجندتها بالاستيلاء على كامل التراب الفلسطيني، ونسيان حق العودة، واغتيال قضية اللاجئين، واتخاذ القدس عاصمة أبدية لها.

ورغم تبني العرب بالإجماع للمبادرة العربية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت العربية عام 2002، والتي تضمنت اعترافاً ب«إسرائيل» كدولة قائمة، والاستعداد لإقامة علاقات طبيعية معها بشرط انسحابها إلى حدود يونيو/حزيران عام 1967، وقبولها بإقامة دولة فلسطينية، تعيش إلى جنبها، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عاصمتها القدس الشرقية، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن «إسرائيل» ردت بصلف ورفضت المبادرة، بل رفضت السلام إلا بشروط «إسرائيلية» مجحفة، فهي لا تريد دولة فلسطينية ذات سيادة، ولا تقبل عودة اللاجئين، ولا تريد تفكيك المستوطنات التي بنتها في الأراضي الفلسطينية.

والواقع أن الذي دفع «إسرائيل» لاتخاذ هذه الخطوة، هو أن مشروع دولة فلسطين يسير قدماً منذ إعلان الاستقلال يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1988 في مدينة الجزائر خلال دورة استثنائية في المنفى من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، فقد سارعت، آنذاك، مجموعة من الدول إلى الاعتراف على الفور بالإعلان، وبحلول نهاية العام كانت أكثر من 80 دولة قد اعترفت بالدولة المعلنة. وفي عام 2012 حصلت فلسطين على وضع دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة بحصولها على 138 صوتاً لصالح هذا القرار في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وبدأت السلطة الفلسطينية باستخدام اسم «دولة فلسطين» على وثائق حكومية، بدلاً من «السلطة الفلسطينية».

وشهدت الأعوام الماضية حركة اعترافات رمزية كبيرة من قبل مختلف البرلمانات الأوروبية، خاصة الدول الإسكندنافية، بدولة فلسطين، وبدأت بذلك السويد لتكون أول دولة كبيرة في غرب أوروبا تقوم بذلك بعد آيسلندا، ثم تلتها العديد من الاعترافات الرمزية، حيث قامت 136 من بين 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة بالاعتراف رسمياً بدولة فلسطين. وكان القرار الدولي رقم 2234، والذي تبناه مجلس الأمن الدولي في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016، بمثابة الكارثة التي نزلت على «إسرائيل»، لأن هذا القرار، دان نشاطها الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة باعتباره انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، واعتبر بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، بالعمل غير الشرعي وغير القانوني، وبأنه يمثل عقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين، وإحلال السلام العادل والدائم والشامل. وشكل هذا القرار اعترافاً لا لبس فيه من أعلى سلطة أممية بالدولة الفلسطينية. وتدرك «إسرائيل»، جيداً، مدى خطورة حصول فلسطين على صفة الدولة، وتدرك أيضاً أنها لن تكون قادرة، في المستقبل، على منع تحقق هذه الدولة على أرض الواقع، ولذلك قررت انتهاج استراتيجية جديدة؛ تقوم على أساس مقاطعة السلطة الفلسطينية، ودفعها للانهيار بعد قطع التمويل عنها، تزامناً مع إعلان الولايات المتحدة أنها تضع اللمسات النهائية ل«صفقة القرن». وكل هذه العوامل شجعت «إسرائيل» على المضي قدماً في مخططاتها، غير عابئة بحقوق الشعب الفلسطيني، ولا بقرارات الأمم المتحدة.

لكن تطوراً حصل مؤخراً يشير إلى تطور جديد تجاه القضية الفلسطينية، ويتمثل باحتضان موسكو لاجتماع الفصائل الفلسطينية بغية مواجهة «صفقة القرن» الأمريكية، حيث انتقد وزير الخارجية الروسي الخطوات الأمريكية الأحادية الجانب، بالنسبة للقضية الفلسطينية، والدولية الخاصة بالقضية. فهل يستغل الفلسطينيون هذا التأييد الروسي لتوحيد الصف لإفشال المخططات «الإسرائيلية» - الأمريكية لوأد القضية الفلسطينية؟