قضية اللاجئين في خطر
خاص|| من غربة إلى غربة.. موجات الهجرة تتزايد بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
خاص|| من غربة إلى غربة.. موجات الهجرة تتزايد بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
غزة..محمد جودة: واقعٌ مرٌ لا يُحتمل، وكمٌ هائل من النكسات، يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان، والهجرة أصبحت ملاذهم الوحيد، فمن شتات إلى شتات، يتحول اللاجئون الفلسطينيون إلى "مهاجرين جدد"، سعيًا إلى تأمين لقمة العيش والحياة الآمنة والكريمة، متمسكين بحق العودة والدفاع عن القضية الوطنية رغم كل الظروف.
ومن "غربة إلى غربة جديدة"، تتزايد موجات الهجرة الفلسطينية يومًا بعد يوم، ويستعرض موقع "الكوفية" في هذا التقرير قصصًا وحكاياتٍ حية للاجئين هربوا من المخيمات بحثًا عن الاستقرار والأمن في أوروبا.
أسبابٌ متعددةٌ دفعت اللاجئين الفلسطينيين نحو الهجرة، ولعل أبرزها الأوضاع الأمنية غير المستقرة، فضلًا عن انتشار العنف والتطرف، حتى أصبحت ملاذًا للفارين من "داعش" وغيرها من التنظيمات.
الهروب من المخيمات
ومن بلجيكا حيث حطَّ اللاجئ الفلسطيني عصام الصوان رحاله، بعد هجرته من مخيم الرشيدية في لبنان بدأ موقع "الكوفية" رحلة بحثٍ عن أسباب هجرة اللاجئين الفلسطينيين من لبنان إلى أوروبا.
"الصوان" أكد أن تكلفة الهجرة المرتفعة جدا، لم تمنع الفلسطينين من البحث عن فرص للهروب من المخيمات، لما فيها من أحداث كارثية، موضحًا أن "اللاجيء يواجه مخاطر كثيرة أثناء الهجرة والتنقل بين الدول، فقد يضطر إلى النوم في الشارع أحيانا، ويتعرض للابتزاز أحيان أخرى، فضلًا عن المكوث لأيام دون طعام لصعوبة تأمينه خلال الرحلة".
11 ألف دولار للوصول إلى أوروبا
"11 ألف دولار تكلفة الهروب من جحيم المخيمات إلى أوروبا، بالإضافة لمصاريف أخرى يتم دفعها خلال الطريق".. هكذا قال "الصوان"، مضيفًا كل ذلك بخلاف المعاناة في التنقل بين أكثر من دولة".
وتابع: "دوافع الهجرة لدى اللاجئين الفلسطينيين كثيرة، منها عدم وجود جهات مختصة فلسطينية لرعاية شؤون اللاجئين داخل مخيمات الشتات في لبنان، إلى الوضع الأمني غير المستقر، فضلًا عن انتشار المخدرات بمختلف أنواعها، وعدم وجود تغطية طبية للاجئين، إلى عدم توظيف المتخرجين الفلسطينيين من الجامعات أو تدني الأجور".
هجرة إجبارية
من بلجيكا إلى إسبانيا، حيث يروي اللاجيء محمد أبو زينب، لـ "الكوفية" أسبابه التي دفعته للهجرة، قائلًا: "إن الهجرة أصبحت ممرًا إجباريًا لم يختر الشباب الفلسطيني الدخول فيه، وإنما فُرض عليهم بسبب الظروف الصعبة في مخيمات الشتات بلبنان".
وأضاف أبو زينب، أن "الوضع في المخيمات تراجع على أكثر من صعيد، حيث غاب الأمن والاستقرار، بسبب ضعف القيادة الفلسطينية، الأمر الذي ترتب عليه ظهور أمور غريبة في المخيمات، ولعل أبرزها الفكر الإرهابي".
وتابع: "اللاجيء الفلسطيني في مخيمات لبنان، فقد الحلم والأمل، فكان الحل بالبحث عن آفاق جديدة لمستقبل أفضل، وهو ما مثلته عملية الهجرة".
الهجرة لمن استطاع
واستطرد: "الهجرة هي لمن استطاع اليها سبيلا، حيث تعترضها صعوبات كثيرة، من تأمين المبلغ الذي يفوق الـ"10 الاف دولار أمريكي" للشخص الواحد، ما أجبر الكثير من العائلات على بيع كل ما تملك من أجل تأمين تكاليف السفر".
ونوه أبو زينب في حديثه لـ "الكوفية" إلى أن مخاطر وصعوبات الهجرة لم تتوقف عند حد تكاليفها، وإنما في الرحلة نفسها، سواء من استغلال السماسرة أو بفعل الظروف الصعبة، حيث تستمر الرحلة نحو شهرٍ حتى تصل إلى المكان الذي تريد أن تستقر فيه.
ظروف صعبة في عين الحلوة
"أُرغمنا على الاغتراب وترك المخيم بحثًا عن مستقبل آمن لنا ولأبنائنا"، بهذه الكلمات بدأ الشاب يوسف حجير، حكايته لـ "الكوفية"، حيث أجبرته الظروف الصعبة على الخروج من "مخيم عين الحلوة"، حيث ترك عائلته.
وأضاف حجير: "حالي كأي فلسطيني داخل المخيم، أعاني من شدة الفقر والجوع، ولدي مرض وأحتاج للعلاج، ولكي أستطيع مساعدة عائلتي والوقوف بجانبها، قررت الهجرة، فضلت الغربة على البقاء داخل المخيم، فالظلم كبير ويزداد عامًا بعد عام ومن سيء إلى أسوأ تسير حياة اللاجئين هناك".
وتابع: "من يقف خلف خروجنا من المخيم هي قياداتنا، التي أصبح كل تفكيرهم العمل لصالح الفصيل الذين ينتمون إليه، خاصة هؤلاء الذين يحملون أفكارًا متطرفة".
وبكل ألم، يصف حجير الوضع في المخيم بقوله: "لم يعد هناك مستقبل ولا حياة ولا أشغال، فقط الأوضاع الصعبة والكارثية هي ما تسيطر على المشهد، لم يعد هناك أمان لدرجة أن ابن المخيم لا يستطيع أن يقف على ناصية الشارع، أو يجلس على مقهى لتناول فنجان قهوة بأمان، فالخروج من المنزل يعني أنك لا تعلم إن كنت ستعود لبيتك أو "للمقبرة"، وهذا أحد أهم الأسباب التي جعلتنا نغادر المخيم ، إنعدام الأمان والاستقرار".
المعاناة مستمرة رغم الهجرة
وحمل حجير، السلطة الفلسطينية والفصائلية داخل المخيمات اللبنانية، كامل المسؤولية عن الهجرة الجماعية للاجئين هناك، موضحًا أنهم لا يراعون الظروف المعيشية وأوضاع الأهالي".
وعن مخيم عين الحلوة، الذي كان يعيش فيه، قال حجير، إن أهم الأسباب التي وَلدت لديه شعورًا بعدم الأمان، هو كثرة المشاكل داخل المخيم والاقتتال المسلح، الذي يشهده.
وأضاف: "المخيمات بشكل عام في لبنان ممتلئة بالسلاح، والذي كان الهدف الأساسي منه مقاومة المحتل وتحرير فلسطين، مؤكدًا أن "ما يجري الآن حرام، والقيادة الفلسطينية تتحمل كامل المسؤولية بشكل مباشر لتهربها من القيام بواجباتها تجاه المخيم ووحدته".
وتابع: "غالبية أهالي المخيم لا يستطيعون توفير لقمة العيش أو توفير ثمن علاج مريض، حتى أن الأهالي تعاني كذلك من "الأونروا" في تحصيل علاج خاص وتوفير بعض الأدوية، ولا يتم صرف الأدوية إلا عبر تحويلة وتقارير طبية تأخذ الكثير من الوقت".
ويستطرد حجير لـ "الكوفية": "معاناتنا استمرت حتى بعد الهجرة، فعند وصولنا إلى بروكسل، تخلت عنا السفارة الفلسطينية ولم تقدم لنا أي مساعدة، بسبب حجج واهية، وكأننا "غرباء عن فلسطينيتنا".
وتابع: "لم يقفوا بجانبنا بزعم أننا لا نحمل وثائق فلسطينية، مثل "جواز سفر أو بطاقة هوية" كما أبناء غزة والضفة الغربية، ويتعاملون مع الفلسطيني اللبناني على أنه دخيل ولا يقبل انضمامه داخل الجالية".
وتسائل، لماذا هناك فرق في التعامل من قبل السفارة الفلسطينية في بروكسل، بين الجالية الفلسطينية وبيننا كلاجئين أتينا من مخيمات لبنان، وكذلك بيننا وبين لاجئي الوطن من غزة أو بيت لحم أو القدس أو الخليل أو أي مكان في الأراضي المحتلة.
تفريغ المخيمات
العميد إحسان الجمل، القيادي في حركة فتح، أكد أن "هناك من يسعى لإفراغ المخيمات، أو تخفيف كثافتها على الأقل لتصل إلى عدد مقبول في سياق التسويات وتوطين الفلسطينيين حيث هم".
وأوضح الجمل خلال حديثه لـ"الكوفية" ، أن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تشهد في السنوات الاخيرة، موجات من الهجرة غير الشرعية، والتي نتج عنها تقليص عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إلى 174 ألف لاجيء فقط، بعد أن كانت إحصاءات الأونروا والسلطة الفلسطينية تشير إلى أن الأعداد تتراوح بين 500 إلى 600 ألف لاجيء، موزعين على 12 مخيمًا، و79 تجمع.
وأشار أن تلك الأرقام التي لم يتوقعها أحد، هي نتائج دراسة وتقرير قامت به لجنة الإحصاء بين الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية.
وشدد الجمل، على أن الهجرة سبب رئيسي في تخفيض عدد الفلسطينيين في لبنان، إلا أنه أكد أنها جاءت نتيجة الظروف القاسية التي يعيشها الفلسطينيون، وخاصة بعد كل جولة من الأحداث التي تستهدفهم.
وتابع: "في السابق كان العامل الأمني هو السبب الرئيسي والمباشر للهجرة، أما اليوم، فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وعدم وجود آفاق لحلول مستقبلية أفقدت الكثيرين الأمل بحياة هادئة مستقرة تحفظ الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية".
وأختتم الجمل حديثه لـ"الكوفية" أن موجات الهجرة راح ضحيتها العديد من الضحايا عندما غضبت تركيا من أوروبا وسهلت الهجرة، حيث قطع الآلاف من الفلسطينين بعد أن قطعوا المياه الفاصلة بين تركيا واليونان، وآلاف الكيلومترات مشيًا على الاقدام في ظروف مناخية صعبة، وفقد العديد منهم حياتهم في رحلة الخروج من المخيمات.
الهروب من جحيم المخيمات.. رحلة حفت بالمخاطر، لكن آلاف اللاجئين وجدوا فيها ضالتهم للخروج من الوضع السيء والمهين الذي وصلت إليه الحياة في المخيمات، بعدما تخاذلت الجهات المسؤولة عن حماية اللاجئين في مخيمات الشتات، فأصبح الشغل الشاغل لساكني تلك المخيمات هو جمع تكلفة رحلة الهروب من الغربة إلى الغربة.
في الختام تبقى التساؤلات كثيرة فمن المسؤول عن تردي الأوضاع في المخيمات، وتفريغها من شبابها، ولماذا تزايدت عمليات الهجرة غير الشرعية خلال السنوات الماضية، وهل كل ذلك مرتبط بتخاذل الجهات الفلسطينة الرسمية عن القيام بدورها في حماية اللاجئين في مخيمات الشتات.. ويبقى التساؤل الأهم.. من المسؤول عن تهجير المهجرين؟