هل حقا سينفذ عباس تهديده السياسي ...وكيف!
حسن عصفور
هل حقا سينفذ عباس تهديده السياسي ...وكيف!
بعيدا عن كمية التناقض التي حملها خطاب رئيس سلطة الحكم المحدود محمود عباس، امام القمة العربية 30 في تونس، يوم 31 مارس 2019، فهو يستحق التدقيق أكثر من أي خطاب سابق له، كونه الأول الذي يشير فيه صراحة الى ان المخطط الأمريكي بات واضحا من حيث اعلان إسرائيل لضم أراضي من الضفة والقدس، فيما تمنح "بقايا الضفة حكما ذاتيا"، مع حديثه عن إقامة "دولة غزة" لصالح حماس.
ومع عدم دقة التعبير في "دولة غزة"، لسبب سياسي لا أكثر، فما تبقى هو جزء مما يتم تنفيذه وليس إعلانه، وصمت عليه عباس وفصيله وتياره طويلا، بل حاولوا بكل السبل الاستخفاف به، مقابل تضخيم وهمي لقدرة رفضه وعرقلته، حتى بات الأمر وكأنه مخطط سراب لا أكثر، وأن هزيمة المشروع الأمريكي – الإسرائيلي سيكون ساحقا بفضل "موقف الرئيس عباس".
ولا يخفى أبدا، ان الهروب الخادع لتسجيل "نصر وهمي"، كان يرمي الى عدم وضع مخطط سياسي حقيقي لمواجهة "الصفقة الكبرى"، والاختباء وراء عدم قدرة واشنطن – تل أبيب على تنفيذها، لم يكن سوى تضليل فعلي لعدم المواجهة المطلوبة.
ولنتجاهل تلك المناورة قصيرة الأمد وقليلة الذكاء، ونقف عند ما قاله عباس في الخطاب المذكور، "...إننا مقبلون على أيام غاية في الصعوبة، بعد ان دمرت اسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال لأرض دولة فلسطين، كل الاتفاقيات، وتنصلت من جميع الالتزامات منذ أوسلو الى اليوم، وهي مستمرة في سياساتها وإجراءاتها لتدمير حل الدولتين، بحيث جعلتنا نفقد الأمل في أي سلام يمكن تحقيقه معها".
و"أؤكد لكم هاهنا، أنه لم يعد باستطاعتنا تحمل الوضع القائم، أو التعايش معه، حفاظًا على مصالح وأحلام شعبنا في الحرية والاستقلال، ولذلك سنكون مضطرين عاجلًا غير آجل الى اتخاذ خطوات وقرارات مصيرية، وكلنا ثقة أنكم ستكونون -كما كنتم دائما-معنا في نضالنا، وسندًا حقيقيا لشعبنا وقضيتنا".
لن نقف أمام بعض سقطات الخطاب حيث هاجم قمع حماس لمظاهرات الحراك الشبابي، فيما تجاهل كليا جريمة دولة الكيان في "يوم الأرض"، حيث سقط 4 شهداء ومئات الجرحى.
عباس تحدث لأول مرة، عن الضرورة لاتخاذ خطوات وقرارات مصيرية بعدما دمرت إسرائيل كل الاتفاقات وجعلت من السلام أملا مفقودا، كلام واضح محدد بأن "الشراكة مع دولة الاحتلال" وصل الى نهايته، وعليه وجب اتخاذ القرارات المناسبة.
وهنا، لنتوقف أمام الخطوات التي يمكن القيام بها وفقا للقول وأيضا وفقا للواقع القائم.
الخيار الأول المنتظر من عباس، إعلان تنفيذ قرارات "الرسمية الفلسطينية" بفك الارتباط السياسي – الاقتصادي والأمني مع إسرائيل، بما يترتب عليه:
*سحب الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير ودولة الكيان، واعتباره كأنه لم يكن الى حين اعترافه بدولة فلسطين.
*انهاء عمل السلطة الوطنية بإعلان دولة فلسطين وفقا لقرار الأمم المتحدة 19 /67 لعام 2012.
*وقف التنسيق الأمني فورا، واعتبار الوجود العسكري الإسرائيلي قوات احتلال لدولة فلسطين، ما يتطلب مواجهتها بالسبل الممكنة.
*اعلان مقاطعة اقتصادية شاملة للمنتجات الإسرائيلية وتحريم دخولها للأراضي الفلسطينية.
*وقف العمل باي هيئة تمثيلية للسلطة الفلسطينية، واعتبار كل مؤسساتها لدولة فلسطين.
الخطوة الثانية لذلك الإعلان تتطلب ما يلي:
*وقف العمل بمرسوم تشكيل الحكومة لتصبح حكومة دولة فلسطين، وليس حكومة سلطة (خلافا لما ورد في خطابه بأنها ستعلن خلال أسبوعين).
*العمل عل دعوة الإطار القيادي الفلسطيني المؤقت من اجل وضع خطة عامل شاملة لتعزيز المشروع الوطني، ويفتح الباب واسعا لدراسة حكومة دولة فلسطين وبرلمانها ورئيسها، وآليات تنفيذه.
تلك بعضا من خطوات متوقعة لما أشار له الرئيس عباس.
الخيار الثاني: ان يذهب الى نظرية سادت بعضا من الوقت، بأن يعيد "تسليم الأمر الى منسق سلطات الاحتلال"، ولتتحمل إسرائيل مسؤوليتها كما كانت قبل اتفاق اعلان المبادئ عام 1993.
فالخيار الأول، يتطلب مشروع مواجهة شامل، ضمن وحدة وطنية حقيقية واستعداد فعلي لكل الخيارات مع دولة الكيان، ومن الملاحظ أن أسس التنفيذ غير قائمة بل أن خطاب عباس ذاته، وضع عوائق جديدة أمام خلق أداة مواجهة وطنية.
لا يمكن اعلان دولة فلسطين، دون وحدة المؤسسة مع قطاع غزة، ولا مصداقية لأي اعلان دون التخلي عن تشريط التمكين المسبق، فتلك عوائق تصبح ثانوية امام المشروع الوطني الكبير، لو كان "الصدق السياسي" للمواجهة مع المحتل هو الخيار، فيجب إعادة ترتيب أولويات العمل الوطني.
دون ذلك يصبح القرار، هو الخيار الثاني بالانسحاب الهادئ من المسؤولية، وإعادة الأمر لما كان عليه، ما يعني عمليا تسليم الأمر لتنفيذ الصفقة الكبرى بـ "ثوب الرفض"، وفي الواقع هو استسلام كلي لها...
المؤشرات القائمة وخطاب عباس يذهب الى الخيار الثاني، ما لم تحدث "معجزة سياسية" في زمن غياب المعجزات.
ملاحظة: غاب عن بيان القمة العربية الإشارة الى تفعيل "شبكة الأمان المالي" التي طالب بها رئيس السلطة عباس، هل سقط سهوا ام هي رسالة على سلوك مالي لم يعد مقبولا ...بدها شوية تفكير!
تنويه خاص: نشرت وكالة السلطة الرسمية "وفا"، أن ياسر عباس "رجل الأعمال بغير وجه حق" ونجل الرئيس محمود عباس شارك في اللقاءات السياسية خلال قمة تونس في حين غاب عنها عريقات...معقول بدأت ترتيبات التوريث...شكله في هالبلد كل شي بصير!