رسالة إلى أخي د. محمد إشتية
عدلي صادق
رسالة إلى أخي د. محمد إشتية
أخي د. محمد اشتية
تحية طيبة
ــ 1 ـ
سمعنا تصريحك الواعد برواتب متساوية، بين الموظفين أينما كانوا، بنسبة 60%. ولأن شطري الوطن، حسب تسمية أوسلو، قد تحولت الى شطري التمييز المناطقي؛ فقد تعمدتَ مشكوراً في تصريحك، أن توضح وتؤكد على أن المساواة التي حلت بشارتها، ستكون بين الضفة وغزة. لكن السؤال بصراحة: هل النسبة الموعودة لموظفي غزة، هي 60% من بقايا الراتب العليل الذي نزل الى أسفل خط الفقر، ووصل الى 40% أم هي 60% من الراتب بتمام صحته؟
أرجو أن توضح لكي نعلم هل إن النسبتين في شقي الوطن متساويتان في الحسبة، أم إن لكل شق حسبة؟
نصيحة لك من أخ: كن واضحاً وصريحاً. فالناس تخلعت أسنانها ولم تعد تنطلي عليها خديعة متقنة، فما بالنا بالأفلام الهندية. إن لم تستطع التزام العدالة في أداء وظيفتك، ليس مطلوباً منك إلا أن تصارح وتقول لا أستطيع، دون أن تضطر الى الإستقالة. وأنت تتذكر أن موظفي غزة، جلسوا في بيوتهم بموجب أمر واضح من مرجعياتهم، وكان من يخالف الأمر يُفصل، وقالها رياض المالكي الذي كان يومها ناطقاً باسم الحكومة: من لا يلتزم بقرار الحكومة فلن تلتزم الحكومة به. وعلى الرغم من أن معظم الموظفين من غزة أحيلوا الى التقاعد أو فُصلوا وخصمت منهم البدلات في أبسط أكلافها، كإضافة المواليد؛ فإن حقهم الكامل يتجاوز صرف راتبهم مثلما تصرف رواتب العاملين، وإنما أن يحصلوا على الترقيات، مثلما يُرقى العاملون، لأن المسؤولية عن تشغيلهم تقع على الحكومة.
ــ 2 ــ
ما جاء في السطور السابقة، ليس شرحاً ولا وصفاً لمجمل جريمة إطاحة العدالة وتكريس المناطقية ومطاردة العنصر الفلسطيني من سكان غزة، في وظائف الأمن والسفارات والجهاز الحكومي، وحتى على مستوى التنظيم وحقوق الأطر الموالية في موازنات العمل التي تساعدها على أداء دورها الإجتماعي. أقول ذلك لكي لا تعتقد أن ما ذكرته عن الرواتب، هو كل موضوعنا. فأنت أعلم مني بالتفاصيل وبكل محاور الإطاحة والإنحراف والأذى الإجتماعي والسياسي المغلف بورقة سوليفان، توحي كأن عباس يرفض صفقة القرن أكثر وأصدق مما يرفضها بائع البندورة. نحن اليوم في خصومة لا تطوي ملفها مصالحة داخلية بتبويس اللحى. فأكبر لحية، من كل أطراف الخصومات، ستكون عرضة لطلب الحق تحت طائلة الغُرم، عندما يتأكد الشعب الفلسطيني أن خياره ليس الزعامات والخزعبلات، وإنما كيانية تلتزم القانون وتفصل بين السلطات، وتؤمن للمجتمع كل الوسائل الدستورية لمساءلة الحاكمين والبت في مصير أدوارهم.
ــ 3 ــ
كنت أخي د. اشتية، قد طلبت التصوير لإبلاغ العموم، بأنك تنتقل الى مكتبك مشياً على ألأقدام. ونحمد الله أن الأمور جاءت بهذا التخريج البسيط لفكرة الزهد والتواضع. كانت الأمور ستصبح مسخرة عالمية، لو خطر في بالك أن تتوجه الى مكتبك، على ظهر حمار أعرج. وعلى الرغم من ذلك، فإن الصهاينة الأنجاس، سخروا منك في الصحافة العبرية.
هذه السطور الأخيرة، محض دعابة، قبل أن أطرح بعض الأسئلة الختامية: لماذا لا يتقاضى الوزراء نصف الراتب كسائر الموظفين في الضفة؟ وكيف يمكن تعليل صرف نصف الراتب للمتقاعدين، الذين تعتبر أرصدتهم التقاعدية حقوقاً شخصية لكل منهم؟ وبماذا يمكن أن تتميز أنت كرئيس حكومة، ما لم يكن في خطة عملك، خطوة واحدة في اتجاه التغيير أو الإقتراب من العدالة؟!
الكوفية في الختام لعلك تلاحظ أنني لم أطرح موضوع إعادة رواتب المتقاعدين التي قطعت، وأنا واحد منهم. سبب عدم الطرح هو أن موضوع قطع رواتب متقاعدين يختلف تماماً عن موضوع الإقصاء والتمييز والمناطقية والكيديات وغير ذلك من الذمائم. هو موضوع سرقة في عز الظهيرة. تماماً مثلما يسطو لص على دار رجل مُسن، فيسرق دراهمه من الخزانة، ويتركه في مهب الريح لا يعرف كيف يؤمن مقومات حياته.. إن لهذا الأمر سياق آخر.