خاص|| القدس.. كل شبر فيها مقاوم «الحلقة الأولى»
خاص|| القدس.. كل شبر فيها مقاوم «الحلقة الأولى»
القدس المحتلة- رامز صبحي: تعمل إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ليلًا ونهارًا، على وضع اللمسات الأخيرة لمخطط استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية في القدس والضفة، فيما عرف إعلاميًا بـ"صفقة القرن"، والتي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تسويقها كذبًا، كخطة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
تعتقد الإدارة الأمريكية وحليفتها "إسرائيل"، أن "صفقة القرن" ستمر عبر سياسة فرض الأمر الواقع باستخدام القوة، متجاهلة حقيقة سطرها الشعب الفلسطيني على مدار عقود من الزمن، مفادها أن كل شبر في أراضيها مقاوم، من القدس وحتى غزة، وفي هذه الحلقات، ترصد "الكوفية" تاريخ كفاح المدن الفلسطينية التي ارتوى كل شبر فيها بدماء الشهداء، وسار على ترابها مناضلين خاضوا بصدورهم مقاومة باسلة ضد المحتل.
تلك الأرض التي لو نطقت لباحت ببطولات فلسطينية، ولروت قصص النضال والمقاومة الفلسطينية ضد المحتل الغاصب، ولأعلنتها مدوية أن المعركة لم تنته ولن تنتهي إلا برحيل الغاصبين واسترداد آخر شبر في أراضينا المحتلة.
عاصمة الدولة الفلسطينية
تعد مدينة القدس، المزينة بالمسجد الأقصى المبارك، وكنيسة المهد، أكبر المدن الفلسطينية وأكثرها أهمية، من حيث المساحة والسكان، كونها عاصمةَ دولة فلسطين، كما ورد في وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطينية التي تمت في الجزائر بتاريخ 15 نوفمبر عام 1988م.
وتقع القدس ضمن سلسلة جبال الخليل وتتوسط المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط والطرف الشمالي للبحر الميت، وتحتضن في دروبها حارات "المسلمين والنصارى والمغاربة" ومخيم شعفاط وجبل المكبر، وغيرها من مناطق تعد شاهد عيان على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين واقترنت اسمائها بمذابح نفذتها قوات الاحتلال بدم بارد.
أرض روتها دماء الشهداء
إعلان ترامب، باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، قرار كتبه الرئيس الأمريكي، بحبر على ورق، ولكن سبقه إعلان أكثر أهمية ومصداقية، كتبه، عشرات الآلاف بدمائهم على أراضي القدس، ففي 31 نوفمبر عام 1937، استشهد عشرات المواطنين في سوق الخضار الكائن بالبلدة القديمة قرب بوابة نابلس في مدينة القدس، جراء إلقاء أحد عناصر منظمة "إتسل" الصهيونية قنبلة على السوق، لتعود نفس العصابة في 15 يوليو عام 1938، ويلقي أحد عناصرها، قنبلة يدوية أمام أحد مساجد مدينة القدس أثناء خروج المصلين، مما أسفر عن استشهاد عشرة مواطنين، وإصابة ثلاثة آخرون بجروح، كما نفذت "إتسل"، في 26 أغسطس من العام ذاته، عملية إرهابية، بتفجير سيارة ملغومة وضعتها في سوق القدس، أسفرت عن استشهاد 34 عربيًا، وإصابة 35 آخرين.
باب العامود تعمد بدماء الشهداء
امتدت دماء الشهداء لتروي دروب وحارات ومناطق مدينة القدس، لتصل في 29 ديسمبر عام 1947م، إلى "باب العامود"، حيث استشهد 14 مواطنًا، وجرح 27 آخرين، جراء انفجار برميل محشو بالمتفجرات وضعته عصابات "أرغون"، وفي اليوم التالي، ومن قبل نفس العصابات وبنفس الطريقة وفي نفس المكان قتل 11 عربيا وبريطانيان.
وفي عام 1948، بتاريخ 5 يناير نسفت عصابة "أرغون" الإسرائيلية، بالمتفجرات فندق سميراميس الكائن في حي القطمون؛ فتهدم الفندق على من فيه من النزلاء وكلهم عرب، واستشهد جرّاء هذه المجزرة 19 عربيًا، وجرح أكثر من 20، وبعد تلك العملية بيومين، نفذت نفس العصابة عملية إرهابية أخرى بإلقاء قنبلة على بوابة يافا في مدينة القدس؛ فقتلت 18 مواطناً وجرحت 41 أخرين.
دماء الشهداء لم تجف
واصلت العصابات الإسرائيلية، تنفيذ العمليات الإرهابية، واحدة تلو الأخرى، لتسيل معها دماء الشهداء التي لم تجف بعد، فبتاريخ 20 فبراير عام 1948، سرقت عصابة "شتيرن" الإرهابية الصهيونية سيارة جيش بريطانية، وملأتها بالمتفجرات، ثم وضعتها أمام بناية السلام في مدينة القدس، وعند الانفجار استشهد 14 مواطنًا، وجرح 26 آخرين.
مجزرة المسجد الأقصى
استيقظ العالم في التاسع والعشرين من عام 2000، على مجزرة جديدة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، بحق آلاف المصلين في المسجد الأقصى المبارك بالقدس الشريف؛ حيث أطلقوا النار عليهم مرتكبين مجزرة أدت إلى استشهاد ثلاثة عشر مواطنًا، وإصابة 475 أخرين، من بينهم سبعة مصلين أصيبوا بالرصاص المطاطي في عيونهم؛ ما أدى إلى فقدهم البصر على الفور.
وقعت الأحداث على خلفية قيام السفاح أرئيل شارون، رئيس وزراء إسرائيل السابق، بزيارة استفزازية للمسجد الأقصى المبارك، في 28 سبتمبر 2000، مع ستة برلمانيين ليكوديين في ظل حالة من الاستنفار شارك فيها 3 آلاف جندي وشرطي إسرائيلي، حيث تصدى لهم عدد كبير من الفلسطينيين وحدثت مواجهة بين الطرفين، جرح فيها 25 من أفراد "حرس الحدود" الإسرائيلي، بينما أصيب بهراوات الجنود 12 فلسطينياً.
معركة البوابات في الأقصى
في الرابع عشر من يوليو عام 2017، وقع اشتباك مسلح بالمسجد الأقصى، بين مقاومين فلسطينين وقوات الاحتلال، أسفر عن استشهاد ثلاثة مقاومين، ومقتل جنديين إسرائيليين، ليقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعدها غلق المسجد الأقصى ومنع الصلاة فيه، قبل أن يتراجع عن قراره في الساس عشر من يوليو، ويعيد فتح أبواب الاقصى، على أن يتم تركيب بوابات إلكترونية لتفتيش المصلين قبل دخولهم إلى المسجد، ليعلن المقدسيون الاعتصام على أبواب الأقصى ويؤدون الصلاة في الشوارع، تزامنًا مع دعوات للنفير إلى الأقصى والمشاركة في صلاة الجمعة، قوبلت بقرار من الاحتلال في 21 يوليو بمنع دخول الرجال دون 50 عامًا إلى الأقصى والقدس القديمة، ليؤدي المقدسيون الصلاة في الشوارع، تعرضوا لهجوم من قبل قوات الاحتلال أسفر عن استشهاد ثلاثة مقدسيين وإصابة 337 أخرين، ليتراجع الاحتلال في الخامس والعشرين من يوليو عن قراره أمام صمود المقدسيين ويقرر إزالة البوابات الإلكترونية ووضع إجراءات أمنية متطورة، رفضتها المرجعيات الدينية، مطالبة بإرجاع الوضع كما كان عليه قبل 14 يوليو، وفي 27 يوليو قرر الاحتلال إزالة جسور ومسالك حديدية من أمام أبواب الأقصى، ليؤدي الآلاف الصلاة داخل الأقصى قبل أن تندلع مواجهات مع الاحتلال أسفرت عن إصابة 120 مقدسيًا بداخله، واعتقلت القوات الخاصة الإسرائيلية المعتكفين عقب اقتحامها المصلى القبلي.
وفي الثامن والعشرين من يوليو حدد الاحتلال أعمار المصلين لمن هم فوق الـ50 عامًا وقام بفتح أبواب المسجد الأقصى بعد العصر، ليتوافد عشرات الآلاف المصلين للمسجد الأقصى لأداء صلاتي المغرب والعشاء معلنين انتصارهم على قرار الاحتلال.
جاءت معركة البوابات ودماء الشهداء لتخط سطور الصمود في حواري وطرقات القدس، وتختلط تارة بمشاعر الحزن وأخرى بمشاعر الانتصار والمقاومة، فمن انتصار المقدسيين في المعركة إلى معركة كاميرات المراقبة، إلى عمليات فدائية نفذها الفلسطينيون في دروب المدينة المحتلة، وتصدي المصليين الجاري الآن لاقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى تحت حماية قوات الاحتلال، كلها مواقف تؤكد أن تاريخ وحاضر المدينة يقول لـ"صفقة القرن" لا مستقبل لكي هنا فكل شبر بأرضنا مقاوم.