نشر بتاريخ: 2019/09/21 ( آخر تحديث: 2019/09/21 الساعة: 12:06 )

خاص|| حلم الهروب من غزة إلى المجهول "1"

نشر بتاريخ: 2019/09/21 (آخر تحديث: 2019/09/21 الساعة: 12:06)

غزة- ميرفت عبد القادر: حلم ينبت ما بين مد وجزر، أمل بالبقاء يزاحم ألم الواقع المرير، أمواج تبتلع أعمارًا قضى أصحابها حياتهم بين انقسام وحصار، لا يثقل كاهلهم غير التفكير بالهجرة، عبر قوارب تحمل أقدارًا، غابات وأشجار كثيفة يستظلون بها، مسافات يقطعونها محمّلين بالأمل في النجاة من خطورة الموت المحتم والسقوط فريسة للمهربين، حكايات بلون الوجع وملح البحر، يرصدها الناجون من الموت بأعجوبة، ويسجلون الوقائع، حول مَن لقوا حتفهم ما بين البحار والغابات والسجون، وآخرون انقطع الاتصال بهم وأصبحوا في عداد المفقودين.

الهجرة ملف ملغوم.. تامر "شعب" وليس "شخصا"

زوجة الصيدلي، تامر السلطان، الذي توفي أثناء هجرته عبر البوسنة والهرسك، تحدثت لـ"الكوفية"، فقالت "زوجي هاجر ليوفر لنا حياة كريمة، بعد أن باع صيدليته في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها قطاع غزة، وحتى لا يعاني أطفاله ماعاناه هو في غزة من ألم وانكسار وتقييد حريات، بعد أن شارك في فعاليات عديدة جعلت بقاءه غير ممكن".

 تضيف الزوجة المترملة، "أنا لا أحب الغربة، رغم أن أهلي في بلجيكيا، وقد كنت ضد سفر تامر، لكنه أخبرني أنه سيعود إلى غزة قريبًا عندما ينتهي الانقسام"، وتضيف والدموع تلمع في عينيها "سافر تامر عن طريق  معبر رفح، حتى وصل مطار القاهرة، ومن ثم إلى تركيا، كان يفكر في الخروج بجواز شبيه لكنه لم يستطع الحصول عليه، فاتجه للبحر، خرج في (البلم) قارب التهريب، أوصله إلى جزيرة في اليونان، طامحًا في الوصول إلى بلجيكيا لدى عائلتي هناك، ومن ثم يرسل لي أنا  والأولاد لتستقر بنا الحياة في هناك، وحين وصل اليونان، انقسم مرافقوه إلى مجموعتين إحداهما ستكمل الطريق عبر النهر، والثانية التي تضم تامر ومن معه سيكملونها عن طريق البر، لأنه لا يجيد السباحة، وسار حتى وصل البوسنة والهرسك، وحدثني أنه وصل وما بقي سوى القليل، وتتابع، "كنت أتابع طريق سيره خطوة بخطوة، لكنه أخبرني، أنه سينقطع الاتصال ولا يوجد إنترنت لمدة 5 أيام، في البوسنة والهرسك، وحين يصل كرواتيا أو إيطاليا، سيطمئننا".

تستكمل مروة، في حديثها لـ"الكوفية"، بقيت أنتظر حتى يوم الإثنين، وصول خبر من تامر، حاولت الاتصال لم يجب، حدثت أخي لكي يتواصل مع المجموعة التي انضم إليها، ليخبروه أن تامر بخير، لكن لدغته عقرب، وأكمل السير معهم لمدة 8 ساعات حتى شعر بهزال ونزف في يده، وحين وصل الحدود سلم نفسه للسلطات في البوسنة والهرسك، ليتم نقله إلى المستشفى، ليتلقى العلاج هناك ويخضع لجراحة، بعد تسمم كل جسمه وانخفاض كريات الدم البيضاء، على أثر لدغة العقرب".

رحلة هجرة لم تكتمل

تستطرد مروة، "قبل وفاة تامر بأيام، تحدثت معه وكان سعيدًا، أنه بقي القليل ليصل، فوجئنا بأن السفارة البوسنية تبلغنا بأن تامر توفي في أحد مستشفيات البوسنة، فجر يوم السبت، حيث تم إجراء عمليات له لكن لم يستطيعوا إنقاذ حياته".

تكمل زوجة تامر، التي تنتظر أيضا استقبال مولودها الجديد، "أنتظر تامر الصغير بعد 3 شهور، لكني سأوصل رسالة زوجي إلى كل العالم، نحن لسنا أرقامًا، نحن بشر لنا كرامتنا وحقنا في حياة كريمة ككل البشر في العالم لنا أسماء ولن نتحول إلى مجرد أرقام في عداد الموتى".

وحمّلت زوجة السلطان، الفصائل الفلسطينية، مسؤولية ضياع أحلام الشباب، ما جعلهم يفكرون بالهجرة، مطالبة بالوحدة وإنهاء الانقسام والبحث عن مصلحة الشباب بدلًا من السعي وراء المناصب والمصالح الفئوية والحزبية.
استشهد  تامر، ليصل جثمانه أرض غزة التي لطالما أحبها، ليواري الثرى جسده بعد رحلة هجرة لم تكتمل أودت بحياته ليفارق الحياة تاركا وراءه، طفلًا لم يولد بعد وثلاثة أطفال وزوجة ما حلموا يوما سوى أن يجمعهم وطن يعيشون فيه بكرامة وحرية
.

قصص في عرض البحر
أيام وساعات الانتظار طويلة جدا، يروي سعدي سلامة، والد المفقود نضال سلامة، قصة ابنه المهاجر، قائلا لـ"الكوفية"، "تخرج نضال من الجامعة، لم يجد وظيفة كالمئات من الشباب في غزة، عمل في مطعم وعلى سيارة أجرة، وعندما ساءت الحال جدا فكر بالهجرة، رغم رفضي لها حين علمت أنها غير شرعية، لكنه بقي مصممًا عليها وأقنعني أن كل الأمور جيدة ولا تستدعي قلقي".

يسرد الأب، تفاصيل خروج ابنه من معبر رفح، إلى ما قبل أن يفقد الاتصال به وتنقطع الأخبار، قائلًا "توجه ابني  إلى مصر ثم مالي ثم الجزائر، وصولًا إلى وهران، مكث فيا 40 يومًا، في انتظار فرصة للهرب وبعد أن وجدوه وأعطوه نقوده، أخبرني نضال في الساعة الثالثة فجرًا، أنه سيتجه بالقارب لإسبانيا، ومعه 18 شابًا،  كان التاريخ 2 أغسطس/آب يوم الجمعة، ليبدأ نضال مشواره عبر البحر.

بين احتمال النجاة والغرق

يتابع والد نضال الحديث، جاءنا خبر غرق السفينة، تريثت قليلا بعد الفاجعة، لأقع فريسة للاحتمالات، ابني كان متمرسا بالسباحة، أخبرني من نجوا من السفينة، أن نضال قطع 15 ميلًا، مُطَمِئنا من معه أنه سينقذهم، لكن الأمواج المتلاطمة الغادرة، حالت دون ذلك.

يكمل سلامة، قال الناجون، إن "القارب غرق، وجاءت فرق الإنقاذ بعد 6 ساعات، وأنقذ خفر السواحل الجزائري، مجموعة من ركاب القارب واعتقلتهم وتم إبعادهم لحدود النيجر، بينما اثنان منهم فارقا الحياة، هما عبد الله المصري ومنير أبو شرخ".

 يكمل سلامة لــ"الكوفية"، أخبرني الناجون ممن وصلوا إلى بلجيكيا بعد رحلتهم المريرة تلك، مع تحفظي على أسمائهم، أن نضال لم يتم اعتقاله وليس بالمستشفى، مضيفا "تواصلنا مع حقوق الإنسان والصليب الأحمر، وسفارة الجزائر، وأكدوا لنا أنه تم فتح ملف باسمه كونه مفقودًا، وأي معلومات ستصل إليهم سيتم إبلاغنا بها".

يجد سلامة نفسه بين أصعب الأسئلة، هكذا ظهر عليه أثناء حديثه لـ"الكوفية"، وكأنه وجد طوق النجاة، ليشاركنا تساؤلاته، هل وصل نضال إلى حدود إسبانيا بعد 6 شهور، أم أنه معتقل لدى السلطات الجزائرية وتضغط بهذا الجانب، كون هجرته غير شرعية.

مناشدة للبحث عن نضال
ودعا سلامة، الجهات المعنية، والسلطة الوطنية الفلسطينية وسفارتها في الجزائر، التدخل لوضع حد لكل تلك الأسئلة، وينهي الأب المكلوم حديثه بتنهيدة طويلة، مضيفًا "والدة نضال مكلومة وحزينة على فراق بكرها لا تعلم هل هو حي يرزق تنتظر أخباره، أم أنه أصبح في عداد الأموات دون أن تراه وتقبله قبلتها الأخيرة" .

ظاهرة مستحدثة

من جهته قال الباحث ومحاضر علم الاجتماع في جامعة الأزهر بغزة، الدكتور ناصر مهدي، إن "الهجرة من الظواهر المستحدثة في مجتمعنا الفسطيني، وكانت محدودة بشكل كبير، في قطاع غزة، ولم تكن موجودة في مرحلة ما قبل انهيار السلطة، والظروف التي حدثت انعكست بالتالي على الأوضاع المعيشية والاقتصادي.
وأوضح مهدي، لـ"الكوفية"، أن للهجرة أسبابًا عديدة، أبرزها تقلص فرص العمل، وعدم وجود خطط استراتيجية للنظام المجتمعي في وضع شبكة أمان لفئة الشباب بالدرجة الأولى، أو للوضع الاقتصادي والاجتماعي، والتجاذبات السياسية وحالة الانقسام وعدم وجود رؤى سياسية تستطيع أن تخرج بنظام سياسي يعطي أملا ومستقبلا لسكان غزة، لتحسين ظروفهم المعيشية بالدرجة الأولى.
الانقسام هو السبب

ويشير مهدي، إلى أن حالة الانقسام وعدم اهتمام القوى السياسية بالأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، أدت إلى تراجع طموحات سكان القطاع، واصفا تلك الحالة بـ"الهلامية واللا معيارية"، خاصة ما نعيشه من أشكال حكومية متعددة، حكومة في الضفة وأخرى في غزة، وحالة التناحر بين الصلاحيات وعدم الاهتمام  بشكل رئيسي بشريحة مهمة، وتعتبر أكبر شريحة  موجودة بين السكان هي الشباب بشكل عام، وإضافة إلى ذلك عدم تقدير وإهمال العديد من الكوادر، من حملة  شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه بشكل خاص، ما يقودهم إلى التفكير بالهجرة، وهو ما ينعكس سلبا على قطاع غزة عبر تفريغ الكادر المؤهل، مما يهدد المستقبل العمراني والبشري والمشروع التنموي في القطاع".
أرقام مرعبة

ويكشف مهدي، "تفاصيل دراسة أجراها حول توجهات الشباب في الهجرة، في عام 2000 أنها لم تتخطى الـ1.4 %، وفي درسة أخرى أجراها مطلع من العام الجاري،  كانت المفاجأة أن النسبة (تعدت 46%)، ما يشير إلى طبيعة التغيرات التي شهدتها البلاد، فأنتجت هذه المعدلات الخطيرة".

استطلاع رأي

أظهر استطلاع للرأي نفذته جامعة الأقصى في غزة منتصف العام الماضي عينة بلغت 1280 شخصا ممن تجاوزت أعمارهم الـ18 عاما، أبدى 51 بالمئة منهم استعدادهم للهجرة خارج القطاع في حال أتيحت لهم الفرصة لذلك، وأوضح 83 بالمئة أن العامل الاقتصادي هو السبب في لجوء شباب القطاع إلى الهجرة، مقابل ما نسبتهم 12 بالمئة أرجعوها إلى العوامل السياسية.

 

في الحلقة القادمة "نكشف:

• تركيا.. المحطة الأولى للوصول ورحلة البحث عن مهرب

• "اليونان" المحطة الثانية للعبور إلى الاتحاد الأوروبي

•  قارب التهريب وبداية المغامرة.. أين المهربون؟؟