متاهة زمنية
أمل محمد أمين
متاهة زمنية
عندما أعلنت بلادي حظر التجوال الكلي وبدأ تقليص ساعات العمل جاء في خيالي انه قد حانت الفرصة لأحقق أحلامي فأتعلم اللغات وأعود إلى الرسم وتخيلت نفسي أسافر بين مئات الكتب أعوض نفسي عن السفر بين المدن..
لكن الواقع كان مختلف تماما فقد ضاع الوقت وأنا انتظر داخليا عودتي إلى حياتي الطبيعية وبالفعل كان كل ما فعلته أنني نظمت أوراقي المبعثرة ونقلتها إلى مكان واحد..
واليوم استطيع إن أقيم وقتي وانه قد ضاع ثلثه في تتبع تطورات جائحة كورونا في بلادي واعتقد أنني نصبت نفسي مرة أو اثنتين حكيما يقيم الأوضاع ويطلق الأحكام ويرى انه كان من الممكن ان تقدم الحكومة أفضل وان كنت اعتقد أنها أفكار راكب في حافلة لا يرى أبعاد الطريق كاملة من موضعه.. على عكس قائدها.
بالعودة إلى قضاء الوقت خلال الحظر كنوع من الفضول قمت بسؤال باقي عائلتي وأصدقائي عن كيفية قضاء وقتهم فاتضح ان معظمهم دخل هذه المتاهة خاصة مع توقف الدراسة وأصبح الليل معاشا والنهار سباتا ..
ان المتطلع إلى الكثير من كتابات تنظيم الوقت يجد تحذير واضح من وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها اليوم من أكثر طرق تفتيت الوقت.. على الرغم من أن العديد من البشر يستخدمها بطريقة علمية ومهنية كاملة.. لكن الأغلبية العظمى حولتها كسلاح لنشر الإشاعات أو ملاحقة أخبار المشاهير وتبادل النميمة بين عامة الناس..
وسأكمل لكم باقي تجربتي مع الوقت والذي ضاع الثلثين المتبقي منه في إنهاء المعاملات الورقية في المكاتب الحكومية وهنا نحتاج إلى وقفة طويلة مع كل من هو مسؤول عن انجاز الخدمات الحكومية من أعلى مستوى حتى الحارس على بوابة المبنى ويمكن القول وبمنتهى الصراحة ان الفساد يملأ الوزارات فإذا كنت من أصحاب الواسطة فقد كتب الله لك تيسير الأمور وإذا كنت من باقي البشر فقد كتب الله لك أن تقضي باقي عمرك تتحسر على مافات وتطلب عون الله فيما سيأتي وستجد على أبواب المكاتب الحكومية العديد ممن يفوض أمر لله ويدعو على العاملين بها وستجد القليل ممن يدعون لهم..
ان جعل الموظف في مكانة إله يملك حق تخليص معاملات البشر من أول استخراج شهادة الميلاد حتى استخراج شهادة الوفاة أدى إلى انتشار الفساد وأصبح الشائع ان يتمنى المواطن ان يتعرف على هذا الموظف المرتشي الذي يمكنه من إنهاء معاملاته والاستمرار في حياته بدل ان يقضي حياته بين أروقة المكاتب الحكومية..
ختاما ان الوقت هو أغلى ما يملكه الإنسان فالثانية التي تضيع لا تعود أبدا والأبناء يميلون إلى تقليد أبائهم فإذا كانت الأم تمسك كتابا سيحرص الولد على الإمساك بكتاب ..
وكما تدين تدان وما يقدمه الآباء سيحصده الأبناء إن كان خيرًا فخير وإن كان شرًا فشر