نشر بتاريخ: 2018/01/26 ( آخر تحديث: 2018/01/26 الساعة: 10:38 )
عدلي صادق

مُعادلة العدم

نشر بتاريخ: 2018/01/26 (آخر تحديث: 2018/01/26 الساعة: 10:38)

الكوفية في إحدى دورات المجلس الثوري لحركة فتح، بعد المؤتمر العام السادس؛ استطالت إحدى مداخلات رئيس السلطة والحركة، في تقريع أعضاء المجلس، في معرض الحديث عن فضائل أجهزة الأمن. قال الرجل للحاضرين ما معناه ارتجالاً، إنه لولا أجهزة الأمن لما كنتم الآن قادرين على الاجتماع في هذه القاعة أو قادرين على النوم في منازلكم!

 كان عباس، يومها، يقول الحقيقة، لكنه يقولها وفي الوقت نفسه، يستنكف عن شرحها، على قاعدة "الفهيم يفهم" وأن يكتفي الأعضاء بالامتنان لكونهم موجودين. فأي شرح سديد، يمكن أن يتخيله الأعضاء، إن أرادوا الاستزادة؟

قبل الإجابة عن هذا التساؤل، يصح الأخذ بالفرضية التي تؤكد على أن العدو هو الذي يتهدد المجلس بالفناء السياسي، ولكن كيف استطاعت أجهزة الأمن الفلسطينية حصراً، تمكينه من الانعقاد، إن استبعدنا حُكماً وبالمنطق، كون هذه الأجهزة لا تحمي المجلس الثوري بقوة السلاح وبالغلبة الميدانية؟ وهل الأمن الفلسطيني نجح في حماية المجلس من حيث كونه إطاراً سياسياً فعالاً، أم من حيث جعله خُشُباً مُسنّدة؟

 كان المقصد، في جوهره، هو إقناع الأعضاء بوجاهة وأفضال التنسيق الأمني، وبصواب اعتباره مُقدساً!

غير أن التقديس، في الأصل، هو نوع من الامتنان، عند من يؤمن ويقدس، لفضائل المُقدس على المستويين الروحي والمادي والسياسي. ذلك علماً بأن ما جرى طوال تلك السنوات التي مرت على تفوهات عباس، ذهب بالمجلس مع كافة أطر الحركة والسلطة والمنظمة، إلى خواء سياسي وامتلاء أمني، لغير صالح العمل الوطني العام. كأنما أريد لهذه الأطر، أن تكون غائبة لكي تنوب عن أطر ينبغي أن تحضر، وأن تكون حاضرة، لكي تمثل أطراً لا ينبغي أن تغيب. وهذه فلسفة تحاكي فلسفات المستعمر القديم، عندما كان يغطي غلاظته بأطر شبه سياسية يختار أعضائها من بين السكان، افتعالاً لملء الفراغ، والسماح لبعض أعضائها بممارسة الشجن، والتعبير عن آراء وطنية، ليست إلا كلاماً في كلام، بحكم أن أصحابها غير موصولين بأية أرضية اجتماعية للعمل المقاوم، المشهود على الأرض، ولو بالوسائل اللا عنفية المتاحة!.

عضو مركزية عباس، حسين الشيخ، يعلن أن "معظم" أعضاء "المركزية" سيتوجهون الى غزة قريباً. وتمحيص الأمر، يؤكد على أن "المعظم" وليس الكل، معناه أن المستنكفين عن التوجه الى غزة، يستنكفون بإرادتهم، لأن التصاريح المحددة زمنياً متاحة للجميع عند حسين الشيخ. وفي حال وصول "معظم" الأعضاء الى غزة، سيكون بمقدور عباس أن يخاطبهم مؤكداً على فضل الأمن الفلسطيني، الذي لولاه لما نالوا هذه الزيارة. إن البعرة هنا تدل على البعير. وللأسف، ستظل هذه المعادلة هي الناظمة لحركة السياسة الفلسطينية الرسمية على الأرض، ما لم نستعيد صفة أرضنا وشعبنا، كأراض محتلة وكشعب رازح تحت نير الاحتلال. إن هاتين الصفتين، أهم في السياسة وأجدى، وأعز وافعل في تنقية السريرة الوطنية وصفائها؛ من تصاريح احتلالية لانتقال الممسكين بمقاليد الأمور، من الضفة الى غزة. لكن الذي أصبح من مألوف حياة هؤلاء المحكومين بمعادلة العدم، أن ينتقلوا بسهولة. فقد تعوّد حاملو بطاقات الشخصيات المهمة، على المرور من جسر الملك حسين بسلاسة وسرعة، وهم يرون بأمهات عيونهم، كيف يكابد شعبنا عند المرور، ولا يتحرّجون إن لم نقل لا يستحون.

أغلب الظن، أن الذين أدمنوا المكوث في قلب هذه المعادلة، لن يطالبوا بمعادلة أخرى، تعطي للاحتلال صفته على صعيد كل التفصيلات، وتعطي للفلسطينيين صفتهم، بأن أمهاتهم جميعاً قد ولدتهم أحراراً، وأن العدو الذي يحتل الأرض، لا يترفق بهم!

معادلة العدم، لن تنتج الحرية لشعبنا، والأمن إن نجح في جمع مجالسنا، يعلم أن المجالس باتت عقيمة، لا تملك إلا ممارسة الكلام، وهو كلام دون سقف وفعل أعضاء "الكنيست" الفلسطينيين، عندما استقبلوا ماك بنس، باللافتات والهتافات.

ثم ماذا سيفعل أعضاء مركزية عباس في غزة، بينما هاجس معظمهم هو موافقة عباس على تعيين إبن أو إبنة، أو صرف سيارة، أو زيادة نثرية أو غير ذلك من موضوعات التطلب؟ هل يملكون مجتمعين، منح غزة عشر غيغات كهرباء للتلامذة في أماسي الشتاء أو في فترات الامتحانات. إنها لعبة العدم الجارية لا تلوي على شيء!