نشر بتاريخ: 2020/08/20 ( آخر تحديث: 2020/08/20 الساعة: 03:20 )
عبد الرحيم جاموس

حكايات جدو سعادة.. ألف ليلة وليلتان

نشر بتاريخ: 2020/08/20 (آخر تحديث: 2020/08/20 الساعة: 03:20)

لم اكن أعلم أن هناك نسخة من ألف ليلة وليلة اسمها ألف ليلة وليلتين ، موجودة بمكتبة تمبكتوا بدولة مالي في إفريقيا، وأن هذه النسخة قد سَلِمت من إتلاف الخليفة العباسي المستزيد لها، وأبقى على نسخة الف ليلة وليلة ، وبصفتي دودة كتب حصلت عليها الكترونيا، من أحد المواقع ، وبالمقارنة مع نسخة الف ليلة وليلة، وجدت القصة المحذوفة  بها، واسمحوا لي أن أذكرها لكم كما قرأتها وفهمتها.

القصة تحكي عن الخليفة المستند على الله في زمن السلاطين البويهيين، الذين سيطروا على مؤسسة الخلافة في بغداد؟ حيث حولوا الخليفة إلى رمز، وظيفته أن لا يفعل شيئا سوى عقد مجالس الأنس، فيستمع للمغنين والمغنيات من القيان والرقص من الجواري، ويحكي السمار قصصهم ونوادرهم ويسمع قصائد المدح ويثيب عليها، ويأكل ويشرب ويستمتع بنعم الله  ، ذلك أنه واثق من السلطان البويهي الذي يدير الدولة بكل اقتدار.

على غير ما ورثه من نظام أورثه له الخلفاء السابقون، أراد المستند على الله أن يكون له عمل غير ما اختطه له سلاطين البويهيين، باقتصارسلطته على الجواري والخصيان  والمشي في ردهات القصر، عليه أن يكون معروفا لدى الناس، متواجدا في كل مكان، عليه أن يستقبل سفراء  الدول ويشرف على العطايا وتوزيع الاراضي ويزور الجند ويتفقد السوق ويحضر مهرجان سباق الخيل والمبارزة بالسيوف، وهذا جعله معروفا عند اليغداديين  وأصبحوا يرون الخليفة ويتكلمون معه،  لكن البويهيين تذمروا من هذا التصرف الذي لم يمارسه خليفة قبله، فقرروا إعدامه، لكن هذا لن يكون قبل أن يتفقوا على الذي سيعينونه بدلا عنه.

فطن أحدهم  لواحد من إخوته العباسيين الذي فروا إلى سامراء خوفا من أخٍ له، بعد أن اختلف معه، لكن أحدا لن يتعرف عليه بعد هذه المدة، بحثوا عن أحد المعمرين الذين يذكرون ملامحه، وأرسلوه في موكب عظيم  ليحضره بكل الأبهة والجلال، وفي هذه اللية التي غادروا بها، مات الخليفة المستند في الحمام  المملوء بالبخار بعدما صبت علي رأسه الجواري والخصيان زبتا مغليا، وفي اليوم الثاني أُعلنت وفاته وتمت تشييع جنازته، ورثاه الشعراء بقصائدهم المعدة سلفا، وفرقوا عن روحه الأطعمة والحلوى، وأعلنوا الحداد.

المسن الذي ذهب إلى سامراء، استطاع ان يجده بسهولة، وعرفه من اذنه المشوهة، ووجده قد كبر في السن وما عاد يملك القدرة على الحكم، فقال خذوا ابني المستزيد، وكان ابنه قد تجاوز الثلاثين بقليل، فالبسوه ملابس الخلفاء الحريرية والقلنسوة المطهمة بالجواهر، وركب الفرس التي أحضرت خصيصا له، وسار في موكب كبير يحفه وجهاء سامراء وعزفٌ الطبول والمزامير إلى خارج المدينة، ثم ودعوه بما يليق به كخليفة.

في الطريق المقفرة، وفي واد موحش ظهر لهم الشطار وقطاع الطرق، أوقفوهم محاصرين بلا حول ولا قوة ، رافعي الأيدي، وسلبوا مامعهم  حتى ملابسهم الثمينة، وابقوهم عراة، وساقوهم عبيدا، ليبيعونهم في البصرة، لكن المستزيد اعتقد أنهم سيحترمون منصب الخليفة حينما يعلمون أنه الخليفة الجديد، زعيم الشطار هذا، اندهش حينما علم ذلك، رآه صيد ثمينا، فماذا سيفعل به، وأراد أن يتأكد من ذلك فأيقن أنه الخليفة الجديد، فكر أن يستوزه سلطانا بدل السلطان البويهي، لكن زمرته لم يوافقوا على ذلك، خشية أن يغتاله البويهيين، عكف عن ذلك ورأى أن يأخذه رهينة حتى تدفع الدولة فداء له ، فسأل الرجل العجوز الذي تعرف عليه عمن بعثه لآحضار هذا الخليفة ، فقال له:

-  السلطان عزيز شاه ،

- وهل السلطان عزيز شاه يعرفه ؟

- لا

برقت في ذهن زعيم الشطار فكرة جهنمية ثالثة، وخاصة وقد رأى رجال الموكب عراة مصفدين فقال لجماعته اقطع رؤوسهم جميعا، فقطع اول ماقطع راس المستزيد، وثم بقية الحرس وما بقي سوى الرجل المسن وحينما هم بقطع رأسه فقال له:

- انا لن اقطع رأسك شرط أن تتعهد لي بما سأقوله لك

- قل لي ما تريد أنا تحت أمرك، لكن لا تقطع رأسي

- اولا تقدمني للسلطان عزيزشاه باني انا المستزيد

- اتعهد

- ان تتخبرني عن أسرار قصر الخلافة، ومن هو صاحب السلطة

- ساخبرك

- أن تقتل عزيز شاه لكي أعينك مكانه  بعدما أتسلم الخلافة

- سيكون لك ما تريد

- إذن قم والبس ملابسك التي جردتك منها.

اما هو فقد قام وخلع ثيابه ولبس ملابس المستزيد المزركشة والمحلاة بالجواهر وقلائد الذهب وأمر زمرته أن يلبسوا ملابس الحاشية، ترك حميرهم وركبوا الخيول المطهمة وتابعوا مسيرهم إلى بغداد.

وما إن دنوا من بغداد حتى وجدوا نصف بغداد في استقبالهم، وفي اليوم الثاني أُعلِن عن تنصيب الخليفة المستزيد، وعملوا أفراحا وموائد فاخرة لكل البغداديين وغنى المغنون ورقص الراقصون وقال الشعراء قصادهم في مدح المستزيد وأنه درة في سلالة العباس بن عبد المطلب، وأنه أشجع الشجعان واكرم الاكرمين واتقى الأتقياء، وإنه يحج عاما ويغزو عاما، وفي اليوم الثالث قُتل السلطان عزيز شاه، لأنه وقع عن السلم ودقت رقبته، وفي اليوم الرابع أمسك بكل التابعين له وحاشيته المقربة وقطعت رؤوسهم جميعا، وفي اليوم الخامس لم يعد للشيخ المسن ضرورة فقطع رأسه، بدل أن يصبح سلطانا بدل عزيزشاه، أما في اليوم السادس فكان شيخ اللصوص قد استوى على العرش، وكان وفيا مع أفراد عصابته ،فجعل واحدا منهم قائدا للجند وأوصاه بان لا يفعل شيئا دون أمره، ودون أن يقول هذا في سبيل الله ، ووضع آخر رئيسا للعسس كي يعد على الناس انفاسهم، ووضع ثالثا مأمورا للعطايا حتى يكافئ الأوفياء والمطيعين والمادحين الشاكرين لفضله، أما الرابع فقد جعله إماما للمسلمين كي يفسر القران والحديث حسب ما يريده الخليفة وأن عصيان الخليفة من عصيان الله ، وحينما جاء اليوم السابع استراح الخليفة المستزيد على سدة الخلافة، وجاء الشعراء يمدحونه وجاءت وفود القبائل تبارك له وتأخذ أعطياتها.

اما بعد مائة سنة من موت المستزيد الاول جاء المستزيد الرابع وأمر بحذف هذه القصة من كثاب ألف لية وليلتين، ليصبح اسمه ألف ليلة وليلة

وبعد الف سنة بالتمام والكمال اعتبرغينس في موسوعته المعروفة باسمه ان المستزيد كان أعظم لص عرفه التاريخ.

سعادة ابو عراق

 

الكوفية