نشر بتاريخ: 2018/02/01 ( آخر تحديث: 2018/02/01 الساعة: 10:19 )
عدلي صادق

المحامون الفلسطينيون في الطليعة

نشر بتاريخ: 2018/02/01 (آخر تحديث: 2018/02/01 الساعة: 10:19)

لو إن موالياً لعباس، من طائفة الانتهازيين لا من طائفة الصامتين على مضض؛ سئل عن ذلك النزاع الذي يجري بين أهل القضاء وحراس العدالة في وطننا، منذ شهر إبريل من العام الماضي، وحكومة الحمد الله، التي تتلقى تعليماتها الكيدية من عباس نفسه، فكيف ستكون الإجابة؟!

كانت هناك ثلاث معارك بين الجسم القضائي، والسلطة، تغلبت فيها أسرة العدالة على جماعة الاستبداد وحكمها الكريه. فقد أحبط المحامون والقضاة، محاولة عباس مد سلطته الى ساحة القضاء وشرعنتها، وهذه ممارسة أتيحت له مراراً، ولم تتح في بعض الأحيان،  إذ أحبطتها يقظة ضمائر القضاة. فعندما أصبح الرجل المناويء للقانون ولتقاليد الحكم الرشيد، معنياً بإصدار قرار بقانون، لتعديل قانون السلطة القضائية، تصدى له نادي القضاة ونادي أعضاء النيابة العامة، ونقابة المحامين، فأسمعوه ما ينبغي أن يعرفه، وقالوا إننا سنقف في وجه " أية محاولة للمساس بهذا القانون الذي هو أحد أبواب القانون الأساسي الذي ينظم عمل السلطة القضائية وعلاقتها مع السلطات الأخرى، وهو القانون الذي جاء ضمانة للحقوق والحريات العامة، التي يجب أن ينعم بها كافة أفراد المجتمع الفلسطيني، والحقوق التي أناط القانون الأساسي بالجهاز القضائي، صيانتها وحمايتها من العبث فيها، باعتبار القضاء سلطة مستقلة تقوم بتطبيق أحكام القانون سواسية على الناس كافة".

جرت المحاولة الأولى في إبريل 2017 عندما أوحى عباس لرامي الحمد الله، الذي لم يفوضه لوظيفته سوى عباس، بطرح مشروع التعديل. ثم طُرح المشروع فعلاً في شهر يونيو، فواجهته أسرة القضاء بموقفها الصارم قائلة "إن إجراء أي تعديل على القانون دون السلطة التشريعية، ودون مراعاة الضوابط الدستورية، يشكل افتئاتاً على مبدأ الفصل بين السلطات، وتعدياً على استقلال السلطة القضائية، بوصفها مبادئ دستورية ملزمة للكافة، وبوصفها مبادئ سامية تقتضيها ضرورات الحكم الرشيد، ويُرسيها مبدأ سيادة القانون الذي يعني خضوع الحكام والمحكومين له، الأمر الذي جعل الدستور حامياً لها تحت طائلة عدم الدستورية، ومؤدى ذلك أنّ أي مقترح لتعديل قانون السلطة القضائية خلافاً لهذه الضوابط الدستورية، قد يعني هدماً لمبدأ الفصل بين السلطات، وتجريد القواعد الدستورية من مضمونها". يومها، كان لا بد لعباس أن يعرف، أن ساحة القضاء ليست ساحة اللجنة التنفيذية التي يستقوي عليها، ولا ساحة الجهاز الحكومي الوظيفي الذي يفتك بمنتسبيه. فقد زادوا وقالوا "إن مبدأ استقلال القضاء يعني بالضرورة ترسيخ سيادة القانون، وهو الغاية المرجوة والهدف المنشود لكل مواطن"!

وفي المعركة الثانية، في شهر نوفمبر الماضي، جرى اعتقال المحامي محمد حسين، على خلفية اعتراضه باسم أهالي بلدة دير الحطب،  على إقامة محطة تنقية فيها، والمحامي يعمل مستشاراً قانونياً لبلدية البلدة، وكان هنالك إجماع شعبي على رفض المحطةونُظمت اعتصامات للأهالي ترفض قرار الحكومة بإقامة المحطة، وعلى هذه الخلفية تم استجوابه في المحكمة، وأثناء وجوده في ساحة القضاء انقض عليه مسلحون بلباس مدني، بأسلوب البلطجة، وقاموا بسحله وضربه، وكيل الشتائم له، بطريق قال إنه لم يشهدها في حياته. وتبين للرجل فيما بعد، أن من قاموا بذلك يتبعون جهاز المخابرات الفلسطينية، وهم الذين نقلوه الى سجن أريحا حيث علم  سجن أريحا حيث علم أنه موقوف على ذمة رئيس الحكومة رامي الحمد الله، الذي أبلغ السلطات الأمنية، إنه لن يخرج من السجن إلا بتوقيع منه وليس من أية محكمة.

ولأن زملاء المحامي محمد حسين في سلك المحاماة، ليسوا من طراز معظم زملاء المناضل منذر الدجاني في فتح؛ فقد تصدت الهيئات الأطر القضائية لتلك الممارسة فارتعدت فرائص الحمد الله المهزوزة أصلاً، وفرض المحامون عليه وعلى سلطته إطلاق زميلهم وطالبوا بالاعتذار له على أعلى مستوى وتعويضه!

أما المعركة الثالثة، فقد دارت قبل أيام، على خلفية قرار تأسيس محكمة الجنيات العليا، إذ رفض المحامون القرار شكلاً ومضموناً، وأعلنوا عن الإضراب قائلين إن المُشرّع الدستوري قد خصّ تشكيل المحاكم واختصاصاتها بقانون حصري يصدر عن المجلس التشريعي، إضافة إلى انطواء القرار بقانون على مخالفات جسيمة لضمانات المحاكمة العادلة!

ما يجمع بين المعارك الثلاث، هو تغوّل سلطة التنسيق الأمني مع العدو، على القضاء الفلسطيني، وحدوث مآسٍ لأبرياء أعتقلوا وثبتت براءتهم.

فكيف سيُجيب الانتهازيون الموالون، على اسئلة هذه الممارسات؟ هل سيقولون إن المحامين، يتساوقون مع الاحتلال، ويعطلون كفاح عباس ضد ترامب؟ أم سيقولون إن أيدي خارجية تلعب، وأن هناك مالاً سياسياً يهجم؟

لكن الحقيقة، تقول إن المحامين باتوا في الطليعة، أما الآخرون فلا زالوا منبطحين!