نشر بتاريخ: 2020/10/31 ( آخر تحديث: 2020/10/31 الساعة: 09:27 )
بقلم: شلومو بن عامي

من أجل نجاح الاحتجاج في إسرائيل

نشر بتاريخ: 2020/10/31 (آخر تحديث: 2020/10/31 الساعة: 09:27)

هزيمة في الحروب أو حتى إخفاقات في إدارتها كانت دائماً مصدراً لحركات احتجاج وأحياناً لثورات غيرت نظام العالم، بالأساس عندما حظيت الحركات والثورات ببنى تحتية فكرية سابقة، والأهم من ذلك بخطة عمل مركزة. وبدون خطة كهذه، على سبيل المثال كتاب لينين «ما العمل»، وبدون ظروف مناسبة، في هذه الحالة هزيمة روسيا في الحرب العالمية الاولى، من المشكوك فيه أن الثورة البلشفية كانت ستحدث حتى لو كان نصف الروس يفهمون جميع كتابات كارل ماركس. هكذا، رغم أنه لحركة الاحتجاج الحالية في إسرائيل – استعراض الغضب والاحباط اللذين أججتهما الحرب ضد «كورونا» واخفاقاتها – توجد ظروف وخلفية مناسبة للنجاح، حيث إن غياب خطة عمل سياسية، على شكل تلك التي حكمت على احتجاج 2011 بالتلاشي، من شأنها أن تحكم ايضا عليها بحكم مشابه.

عِبَر الماضي ليست دائما مشجعة. «الربيعات» السياسية بشتى انواعها، رغم أنها شكلت دائما تراثاً أدى الى واقع جديد فيما بعد، فانه في المدى القصير تم قطعها بشكل عام على يد قوى الاستمرارية. ربيع الشعوب في 1948 اقتلع في حالة فرنسا داخل امبراطورية نابليون الثالث. ايضا في باقي اجزاء القارة فان العائلات المالكة عادت للسيطرة على زمام الامور بعدها. «الربيع العربي» تم خنقه في مصر، بداية على يد حكم «الاخوان المسلمين»، وبعد ذلك حكم عليه بالقبلية من قبل البونابارتية الجديدة للمارشال عبد الفتاح السيسي. كقاعدة عامة خرجت قوى الاستمرارية في العالم العربي منتصرة حتى لو قامت بذلك بثمن حروب اهلية دموية. في حين أن احتجاج 2011 في إسرائيل تفرق تحت تعويذة كاذبة من لجنة خبراء، ووجد اثنان من قادته طريقهما الى حزب ممأسس، تبخر تماما فيما بعد.

احتجاجات «كورونا» هي تعبير مثير للانفعال من قبل وطنية مدنية، حملت بالاساس على اكتاف الجيل الشاب. ولكن ليس فقط على اكتافهم وحدهم. تشهد إسرائيل في هذه الايام موجة احتجاج متعددة الاجيال لم تعرف مثلها من قبل. الاحتجاج ضد تسييس معالجة «كورونا» من قبل رئيس الحكومة هو انعكاس لأزمة ثقة اكثر عمقاً في البنية السياسية والاجتماعية – الاقتصادية كلها. وهو الذي يخرج المتظاهرين الى الشوارع مع الشعور بالعجز والخوف من المستقبل. كيف يجب على احتجاج ايام «كورونا» أن يتعلم من عبر الاحتجاجات السابقة كي لا يسير في طريق سابقيه؟ من المفرح والجميل أن الاحتجاج يعمل بدون قيادة، لكن ستأتي لحظة سيتحول فيها الغضب والاغتراب الى تحالف لقوى سياسية مع استراتيجية متفق عليها. ومثلما اثبت في اماكن اخرى فان سقوط الحاكم يمكن أن يكون فقط مسرعا آنيا، والحركة الشعبية التي تطالب بالتغيير يجب أن تحدد التغيير الذي تريده والطريق اليه.

حركة الاحتجاج الحالية يمكنها مع التعديلات الواجبة في المكان وفي الزمان، أن تستوحي الالهام من من قصة قصيرة لستيفن هيسل، الذي على الرغم من عمره – في وقت نشرها في تشرين الاول 2010، كان ابن 93 سنة – كان يتمتع بغضب ابداعي وايمان كاسح بقوة العمل الاجتماعي، التي لا يقدر عليها إلا الأشخاص الذين لديهم حماس الشباب. «اغضبوا»، كان اسم الكتاب الصغير الذي كان له تأثير مباشر على موجات الاحتجاج التي اغرقت اوروبا والعالم العربي بعد بضعة اشهر من ذلك. حقّق الكتاب نجاحا فوريا، هذا هو «الكتاب الأحمر» الجديد، هكذا وصفه ناشطون اجتماعيون.

بيعت ملايين النسخ بعشرات اللغات في ارجاء العالم. والمدونون الشباب في تونس، الذين عملوا على اسقاط ديكتاتورية زين العابدين بن علي، كان الكتاب القرآن الجديد بالنسبة لهم. بوديموس هو حزب ولد من «حركة 13 ابريل» للشباب الذين تظاهروا في 2011 في ميادين المدن في اسبانيا، واليوم هو عضو في حكومة الائتلاف الاشتراكية، وراكم القوة استنادا لكتاب هيسل. وبدرجة كبيرة ايضا «سيريزا» في اليونان، التي احتلت رئاسة الحكومة في جولتين انتخابيتين، حتى أنها نجحت في تربيع الدائرة بين المطالب الضخمة للاتحاد الاوروبي باصلاحات مؤلمة وبين الحاجة الى الخروج من الازمة مع اقتصاد اكثر توازن وعدالة.

هذا ليس كتابا، هذا «برنامج سياسي يجسد داخله كل الواقع»، كتب في مقال نشر في صحيفة «لاموند» في تلك الايام التي سقط فيها في ايطاليا سلفيو بيرلسكوني، وفي العالم العربي اهتزت عروش المستبدين. وحتى في سورية، في ذروة الحرب الاهلية الدموية، توجهت مترجمة شابة الى الناشر الفرنسي كي يسمح لها بترجمته الى اللغة العربية. هذا هو «الوسيلة الاخيرة في خضم هذا الرعب»، كتبت له عن الكتاب. وفي اليابان ارادوا ترجمة الكتاب «لصالح اليابانيين الذين نسوا الغضب من الكارثة النووية في ليفوكوشيما». وفي متحف تل ابيب وصف امين الصندوق الشاب، يوري ديساو، احتجاجات «الغاضبين» في 2011 بـ «العمل الفني الافضل في السنوات الاخيرة». ولم يغب ايضا مكان عاصمة العولمة نيويورك. فهناك قامت في ايلول 2011 حركة «احتلوا وول ستريت» للاغلبية الغاضبة ضد الـ 1 في المئة الذين يمسكون في أيديهم معظم الثروة الوطنية.

ولد هيسل في برلين لأب يهودي وأم مسيحية. في 1924 انتقلت العائلة الى فرنسا، وفي 1941 انضم الى الجنرال شارل ديغول كعضو في مجلس المقاومة في لندن. وفي 1944 تم ارساله الى فرنسا من اجل اعداد البنية التحتية لعودة جيش فرنسا الحرة الى ارض الوطن. وتم اعتقاله على يد جيش الاحتلال النازي، وارسل الى معسكر التجميع في بوخنفالم. كقوس قزح من بلدة فيمار وفي وسط غابة اعتاد فيها أن يتجول بصورة ثابتة غوتا، الشاعر الالماني الكبير. اعترف هيسل بأنه استوحى برنامجه للاجيال الشابة من عمل مجلس المقاومة ومن اعلان الامم المتحدة بشأن حقوق الانسان، التي عمل هيسل على صياغتها كمساعد لرنيه كاسين، رجل القانون اليهودي – الفرنسي الذي كان يمثل الروح الحية خلف الاعلان.

الشباب الذين ملؤوا بعد ذلك ميادين المدن في اوروبا والعواصم الغربية، أوضح لهم هيسل بأن الامن الاجتماعي هو حق أساسي، ودعا الى سيطرة عامة على الموارد الطبيعية وطالب بمنع الخضوع الحصري للبنوك ولاصحاب الاسهم، الذين تشكل الارباح اعتبارهم الوحيد. في النظام الاجتماعي الذي دعا اليه فان الثروة التي تأتي من العمل هي اهم من التي تأتي من الصفقات المالية. ودعا الشباب ايضا لقيادة الحرب ضد كارثة المناخ وتأييد الاقتصاد الاخضر، بروحية ما سيكون فيما بعد «الصفقة الخضراء الجديدة» التي يقودها الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة بدعم شخصيات مثل الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، بول كروغمان. وهو ايضا حثهم على النضال من اجل صحافة حرة وصادقة. وفي ذلك الوقت حذر من ابتلاع الخطاب العام داخل الثقب الاسود عديم الحدود الاخلاقية، الذي خلقته شركات التكنولوجيا الضخمة.

في العقد الثامن من حياة الدولة حان الوقت لوضع دستور في إسرائيل يشمل حقوقا اجتماعية ومدنية، وايضا فصل الدين عن الدولة. الوطنية الدستورية التي دعا اليها يورغن وفورماس في المانيا، التي هي ايضا مثل إسرائيل في اساسها دولة قومية عرقية، هو ايضا السبيل لتماهي اعمق مع الدولة لليهود والعرب على حد سواء. وأخيرا، وليس بالضبط في أهميته، هو الفيل الموجود في الغرفة، المشكلة الفلسطينية التي دفعناها الى الجهة المظلمة في القمر. الوضع الإسرائيلي مبني من اوانٍ مستطرقة، ايضا تفكك البنية التحتية الأخلاقية للديمقراطية الإسرائيلية التي تتباكى عليها حركات الاحتجاج، مرتبطة بثقافة السيطرة على شعب آخر، والتي تدهورت الى هذا الجانب من الخط الأخضر.

 

«هآرتس».. عن الايام