بؤس السياسة الفلسطينية
محمد مشارقة
بؤس السياسة الفلسطينية
بدأت حملة الردح الفصائلية بعد قرار السلطة الفلسطينية العودة دون شروط للتنسيق المدني والتفاوض مع إسرائيل، تملك خطابهم الدهشة والصدمة وعادوا الى لغة التخوين والاقصاء واحتكار الفضيلة الوطنية .فالتنسيق الأمني لم ينقطع يوما، ومن تحمل عبء الحرد السياسي لقيادة يفترض انها مؤتمنه على مصالح وحياة الناس، هو المجتمع الفلسطيني وخاصة قطاعه التجاري، الذي دفع غاليا ثمن وقف التنسيق المدني. لم يكلف قادة الفهلوة السياسية في السلطة انفسهم شرح أسباب وقف التنسيق ولا لماذا عادوا "منتصرين". وإذا كانوا فعلا يريدون تقديم هدية، او"مباركة بيت" للادارة الامريكية الجديدة، فتلك لعمري سذاجة وقلة دراية في أصول السياسة ، فهم لم يقرأوا غير البيان الانتخابي لحملة الحزب الديمقراطي، ووعود غامضة وملتبسة من توني بلنكن احد قادة حملة بايدن الذي اجتمع مع الجاليات العربية والمسلمة بما فيها الفلسطينية وابلغهم بتصورات الإدارة القادمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي . ولن اسرد كثيرا في شرح تلك التصورات التي لا تقدم غير إعادة فتح قناة الاتصال بالسلطة الفلسطينية، ومكتب خدمات قنصلية في القدس للسكان المحليين، لكنها لم تعد البتة عن أي من الإجراءات التي اتخذتها الإدارة السابقة، من إزالة القدس واللاجئين والحدود من على طاولة التفاوض، ولم تتحدث قط عن كلمة "احتلال "، والمسألة المركزية في الخطاب الذي يصاغ عادة بعناية فائقة للحملات الانتخابية ، هو دعوة السلطة الفلسطينية للعودة لطاولة التفاوض، لان الإدارة القادمة ليست في وضع يمكنها من اقتراح عملية تفاوضية على أسس جديدة بعد انهيار سابقاتها، أفكار تنقذ فكرة الدولتين التي كررها بايدن وسلفه ترامب دون حديث عن مرجعيات محددة، اذ لا تصور لمعنى ومضمون وحدود تلك الدولة المنشودة والتي باتت بفعل إجراءات الضم والاستيطان التي لم تتوقف، جزرا معزولة لمدن وقرى لا رابط بينها. لم تنتظر قيادة السلطة تشكل طاقم الخارجية واعتمدت كثيرا على تصورات واقتراحات نشطاء فلسطينيين مخلصين في الولايات المتحدة، لكن أحدا من المرشحين لشغل مناصب يتصل بالصراع تحدث معنا مباشرة، ولا أوضح لنا خطته القادمة. لم يقرا قادة السلطة تقديرات الخبراء، حول أولويات السياسة الخارجية الامريكية في المرحلة الجديدة والتي تتقاطع جميعا عند بند واحد ان الشرق الأوسط برمته ليس أولوية وربما تراجع الى المرتبة الرابعة، يستثنى من ذلك الملف الإيراني، الذي يمر عبر بوابة ترميم العلاقة مع أوروبا.
المفارقة الأخرى الخطرة الأخرى، التي تستدعي التوقف في الأداء الفلسطيني المرتبك، هو ان التعهد الملتبس الذي رفعه قيادي فلسطيني الى مرتبة الانتصار، جاء برسالة من الحاكم الفعلي للمناطق المحتلة والمنتهية ولايته الجنرال كميل أبو ركن، والتي جاء فيها ان إسرائيل ملتزمة بالاتفاقات، وفي ذلك وقفات، الأولى، ان الرسالة تطابق الواقع والمضمون مع الشكل، فالسلطة بكليتها هي فرع من الإدارة الاحتلالية ولا صفة دولاتية لها، وهي اقرب الى مجلس بلدي لكنه تابع لوزارة الدفاع وليس للداخلية، إذ لم يخاطبنا رسميا رئيس الحكومة او وزير الدفاع او وزير الخارجية، والوقفة الثانية ، هي الإعلان المنفرد دون التشاور مع المجتمع والشركاء، خاصة وان حوارا كان يجري في تلك اللحظات للمصالحة في القاهرة أساسه يتعارض مع العودة للتنسيق والتفاوض مع إسرائيل. اما الوقفة الثالثة، أن الخطوة الفلسطينية المتسرعة، كان يجب تحصينها إقليميا ودوليا، فمن غير المفهوم لماذا لم يتم التشاور مع الأردن ومصر، او الاتحاد الروسي او المانيا التي تقود الاتحاد الأوروبي. بحيث يبدو النزول عن الشجرة مبررا ومفهوما ومفيدا، ولديه حواضن سياسية داخلية وخارجية، كما ظهر الفلسطينيون هواة سياسة غير جديرين، محبطين ومنهكين، وليسوا أصحاب تصورات جديدة ومبتكرة لإنقاذ شعبهم وقضيتهم ، مقطوعون عن العالم ولم يلحظوا ان مياها كثيرة جرت في النهر في السنوات الأربع الماضية.