نشر بتاريخ: 2020/12/08 ( آخر تحديث: 2020/12/08 الساعة: 01:50 )
محمد مشارقة

معركة "إقليم تيغراي" تفتح الجروح التاريخية في إثيوبيا

نشر بتاريخ: 2020/12/08 (آخر تحديث: 2020/12/08 الساعة: 01:50)

حسمت الحكومة المركزية الاثيوبية التي يقودها الدكتور ابي احمد المعركة مع حكومة ولاية تيغراي، باحتلال العاصمة مقلي، والمراكز الإدارية والعسكرية، ووجهت ضربة قاصمة للجيش الثاني الشمالي المتمرد، اقوى الجيوش الاثيوبية على الاطلاق. لكن هذا الانتصار يتجاوز حدود الاقليم وطموحاته باستعادة السلطة والهيمنة على الدولة التي تمتع بها من 1991 إلى 2018، او الانفصال والاستقلال، واستعادة أراض ارترية يدعي التيغراي انها تعود لهم. فالحكومة المركزية في اديس ابابا وجهت بهذا الانتصار السريع عدة رسائل، للقوميات التسع الرئيسية وأخرى يزيد عددها على الثمانين إثنية وتفكر بالانفصال عن الدولة، بان اللعب بهذه الورقة سيواجه بالحديد والنار. فقد عززت المعركة السريعة تحالف القوميتين الكبريتين الأمهرة والأرومو اللتان تشكلان نحو ثلثي السكان. وكان مراقبون  قد توقعوا مع بدء المعارك في إقليم تيغراي، ان استمرار المعركة لاربعة او ستة أشهر، سيؤدي الى انهاك الدولة وفتح باب تقسيمها الى أربع دول، ولن يتوقف الامر على اثيوبيا وحدها وانما ستمتد حالة الفوضى والتقسيم الى الصومال وارتريا، وربما يتجاوزها الى السودان أيضا.

 

الخلفية السياسية:

منذ خسارة التغراي لقيادة البلاد بعد انتفاضة شعبية قادها شباب الارومو في ضواحي العاصمة عام  2018، بدأ الصراع الخفي بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والحكومة المركزية بقيادة ابي احمد، وانسحبت من المركز قيادات عسكرية وامنية وما كان يعرف بالدولة العميقة التي سيطرت على السلطة والثروة طيلة سبعة وعشرين، من خلال تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية. وضم التحالف حركة الأمهرة الوطنية الديمقراطية، ومنظمة أورومو الديمقراطية الشعبية، والحركة الديمقراطية الشعبية لإثيوبيا الجنوبية، وكان التيغراي هم القوة المهيمنة في التحالف.

 اتهمت اديس ابابا حكومة الاقليم، بنهب سلاح الجيش، وتقويض سلطة الدولة، خاصة بعد ان رفضت قيادة الجبهة التغرينية الانضمام لتحالف حزب الازدهار الذي يقود الحكومة الفدرالية، كما رفضت توجهات ابي احمد، بالسعي لتقليص صلاحيات الحكومات المحلية لصالح المركز، وأعلنت رسميا، ان الانتخابات التي كانت مقررة في نوفمبر الماضي غير شرعية ولا دستورية.

يمكن القول، ان تحالف الامهرة – الارومو بات اليوم الرافعة الرئيسية للدولة الهشة، التي لم تعرف يوما الاستقرار منذ تاسيسها على يد الامبراطور منليك الثاني مع نهاية القرن التاسع عشر، وطبع البلاد بثقافة ولغة قوميته الامهرة، وظلت القوميات الأخرى وخاصة التيغراي والصوماليين والعفر والارومو، في نزاع وحروب دائمة مع الدولة، الى ان انهى انقلاب عسكري لتحالف اليساريين بقيادة منغستو هايلي مريام حكم الامبراطور هيلاسيلاسي مطلع السبعينات، وانهيت بذلك سيطرة  الامهرة على البلاد التي امتدت لقرن من الزمن، تبعها انقلاب اخر في التسعينات من القرن الماضي شكل عماده الرئيس قومية التغراي التي لا تتجاوز نسبتها من السكان ستة بالمائة.

 

المخاطر:

كعب اخيل طموحات ابي احمد في بناء دولة مركزية قوية، لم تعد فقط قومية التيغراي، بل أيضا قوميته الاورومو، الذين انقسموا أيضا وانقلبوا عليه، وقد اعلن الحرب على جبهة تحرير أورومو ومؤتمر أورومو الفيدرالي ونشر قواته في المناطق المنتفضة. وهناك من يعتبره خائنا لنضالات الارومو من اجل العدالة والمساوة ورفع الظلم والتهميش المزمن واستعادة الأراضي، وهي الوعود التي حملته الى السلطة، لا بل تقول بعض الروايات الأشد قسوة، ان ابي احمد انحاز لثقافة وقومية والدته المسيحية الامهرية، ولا يمت للاورومو المسلمين قومية والده بصلة. بطل هذه الرواية هو المعارض الشعبوي السجين جوهر محمد واتباعه الذين ينتظمون بتزايد في اطر المعارضة

يرى بعض خبراء الشأن الاثيوبي، ان انتصار ابي احمد في إقليم التيغراي، قد يؤسس لعودة قومية الامهرة لحكم البلاد، فحسم المعركة كان على يد خصوم التيغراي التاريخيين من الامهرة، حيث أعادت الحكومة للخدمة العسكرية كبار قادتهم، كما ظهر في مقدمة المشهد السياسي والحربي أثناء المعركة، أعضاء سابقون في أحزاب وحركات، يسيطر عليها نخب الامهرة وهي، أورومو الديمقراطي ، وحركة الأمهرة الوطنية، وحركة المواطنين الإثيوبيين من أجل العدالة الاجتماعية، وحزب بالدارس. ويقول المعارضون ، ان هذه النخب في تحالفها القوي مع ابي احمد لمواجهة المتمردين من قومية الاورومو والتيغراي، تهدف الى استعادة الأراضي التي تدعي أنها ملك لهم من تيغراي، والعودة لاحلامهم القديمة بالسيطرة على الإمبراطورية مجددا.

 

الآمال الكبري:

مستقبل اثيوبيا، يتوقف على الكيفية التي يستخدم فيها ابي احمد هذا  الانتصار السريع في الاقليم المتمرد، وهو يعلم جيدا، ان هذا النوع من الصراعات العرقية لا يحل بالقوة العسكرية، ولا بالإقصاء السياسي، بل بتوافق وطني، بالعودة الى تحكيم صندوق الاقتراع بانتخابات برلمانية فيدرالية وأخرى إقليمية، والمسارعة، بتحقيق العدالة الانتقالية والتحقيق في الجرائم التي ارتكبت في العقود الماضية، وفي التقدم بمشروع العدالة الاقتصادية ورفع المظالم الخاصة بنزاعات الأراضي التي وعد بها قومية الاورومو ووقع عليها التهميش التاريخي. وهي اهداف واقعية وممكنة التحقيق، خاصة وان اثيوبيا اليوم هي الأسرع نموا في افريقيا، وتقول تقارير غربية ان إقليم اوغادين يقع على بحيرة نفط كبرى، من شأنها معالجة حالة الاحتقان القومي والفقر، وتشكيل قاطرة للتنمية والاستقرار في عموم القرن الافريقي ودول الساحل الافريقي الشرقي.

مشروع ابي احمد الطموح في بناء دولة مركزية قوية، وتصفير المشاكل مع الجوار الارتري والصومالي والجيبوتي، يشكل الرافعة التي يحتاجها القرن الافريقي من اجل السلام والتنمية. تضم هذه المنطقة نحو 150 مليون انسان إذا ما اضيف اليها جنوب السودان. وهي جغرافيا وسوق وثروات طبيعية، يأمل الرئيس الاثيوبي في تحويلها لمنطقة تكامل اقتصادي موحدة على غرار الاتحاد الاوروبي، يمكنها استقطاب الاستثمارات الداخلية والخارجية كما تؤمن الاستقرار ومواجهة الفوضى والإرهاب، القادم من الغرب الافريقي. منذ وصوله للسلطة أطلق أبي أجندة إصلاحية بإطلاق سراح السجناء السياسيين والسماح للقادة السياسيين المنفيين والمحظورين بالعودة إلى إثيوبيا. كما وعد بتوسيع الفضاء السياسي، واحترام حقوق الإنسان، وبناء مؤسسات مستقلة للانتخابات والقضاء، وإجراء إصلاحات اقتصادية، والعودة لبث الروح والحياة في هذه الآمال الكبرى تشكل خشبة خلاص منتظرة.

 

الخلاصة:

من مصلحة الامن القومي العربي، مساندة الانتقال السياسي لأثيوبيا وتجاوز المحنة سريعا، فالفوضى ستعيد القوميين المتشددين الاثيوبيين الذين يستبطنون عداء تاريخيا للجوار العربي الى السلطة. ليس فقط عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد الجار وانما تدوير الزوايا في ازمة سد النهضة بين اثيوبيا ومصر، بما يخدم تحويل جغرافيا نهر النيل الى واحة للتعاون الاقتصادي والسلام والتنمية المشتركة.