نشر بتاريخ: 2021/02/09 ( آخر تحديث: 2021/02/09 الساعة: 13:49 )
أحمد خميس

يرمونك بالحجارة من بيوت الزجاج

نشر بتاريخ: 2021/02/09 (آخر تحديث: 2021/02/09 الساعة: 13:49)

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إن فعلت عظيم

لم يتفق العرب على اسم الشاعر صاحب هذا البيت الذي حفظناه لكثرة ما سمعناه في الصغر وصرنا نردده في خطابنا النقدي في الكبر.

ربما هي مصادفة قدرية أن يظل اسم الشاعر الحكيم مجهولا في زمن عربي يظل فيه اسم الفاعل المنزوع الحكمة مجهولا أيضا.

أستذكر هذه الحكمة الشعرية كثيرا حين يتحدث الفاسدون عن نظافة اليد، ويسهب المنحرفون في الحديث عن حلاوة الاستقامة، ويتبنى أصحاب الفضيحة خطاب الفضيلة.

ولعل ما دفعني لاستحضار هذا البيت المضمخ ببلاغة الحكمة هو الخطاب الاستفزازي الفج الذي تحمله وتفح به بعض المنابر والمنصات الإعلامية ذات الصوت العالي في نقد واقع تساهم في ترسيخه مثلما ساهمت في تأسيسه أصلا.

من هذه المنابر قناة الجزيرة القطرية التي تصدح ليل نهار بدعوات التنوير والتثوير وتحشو خطابها بمنطوق الظلاميين والإرهابيين الذين يعيثون قتلا وخرابا في سوريا وليبيا والعراق وسيناء! وفي سياق كي الوعي العربي تدافع الجزيرة عن حق الإنسان السوري في الحرية والكرامة وتقدم فلول تنظيم القاعدة وجبهة النصرة باعتبارهم روادا لهذه الحرية! وهي تدعو لتطهير ليبيا من المقاتلين الأجانب المدفوعين إلى الأرض الليبية بقرارات ممولي الحرب، بينما تغض الطرف عن المرتزقة القادمين من سوريا إلى طرابلس ومدن الغرب الليبي وتعتبرهم مجاهدين في سبيل الله! وهي تهاجم الحشد الشعبي وتقدم المنصة والغطاء الإعلامي لرموز الإرهاب القاعدي في غرب العراق!

هذه القناة تجاوزت قبل يومين حدود اللياقة والعرف المألوف في علاقات المنابر الإعلامية ببعضها، واختارت أن تهاجم قناة زميلة هي قناة "الغد" بسبب بث هذه القناة لقاء تلفزيونيا مع وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، معتبرة هذا اللقاء ممارسة تطبيعية مرفوضة ومستهجنة، وخروجا عن قرارات اتحاد الصحفيين العرب وتحديا للوجدان الشعبي الرافض للتطبيع.

من حيث المبدأ، تبدو ادعاءات الجزيرة منطقية وصحيحة لو جاءت من طرف آخر لم يتورط في كسر التابوهات، ولم يكن أول من استضاف الإسرائيليين على الشاشات العربية وأول من أدخل أريه أدرعي إلى صالونات الأسر العربية ليتحدث عن فضائل السلام والتعايش على الطريقة الإسرائيلية.

ومن حيث المبدأ لا بد أن تتقبل "الغد"، وهي القناة العربية الوحيدة التي تقدم الشأن الفلسطيني على أي ملف آخر وتتبنى الرواية الفلسطينية وتدافع عنها، بل وتسعى إلى دحض الرواية الإسرائيلية في برامج خاصة تقدم قراءات مختلفة للتاريخ تضيء الحقيقة في مواجهة ظلامية الأسطورة التلمودية،

لا بد أن تتقبل هذه القناة وأن تحترم رأي من رأوا في اجتهادها خطأ في التوقيت أو في التنفيذ أو في أداء الحوار، لكن ما لا يمكن تقبله هو اللغة الاتهامية التي حملتها الجزيرة والصحفي الفلسطيني الذي استضافته والذي وزع الاتهامات على "الغد" والعاملين فيها ودعا إلى مقاطعة القناة واتخاذ إجراءات ضدها في فلسطين وفي مصر، ولم ينتبه إلى أنه كان يقدم هذا الخطاب على شاشة قناة استضافت شيمون بيريز وتسيبي ليفني في مقرها الرئيسي في الدوحة، كما اختار تجاوز حقيقة تحول "الجزيرة" إلى منبر دائم لكل ساسة الكيان الإسرائيلي تحت شعار "الرأي والرأي الآخر" حتى تحول الصوت العربي على هذه القناة إلى "رأي آخر" في مواجهة الرأي الإسرائيلي.

قد يكون إجراء اللقاء مع بيبي غانتس خطأ، لكن من ينتقد هذا الخطأ ينبغي ألا يكون من مقترفي الخطيئة، وقد يكون مقبولا أن يتعرض منبر إعلامي للرمي بحجارة النقد، لكن من كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة