"حكمة" التيار العباسي مع إسرائيل ..و"غضبه" مع الشعب وغزة
نشر بتاريخ: 2018/11/01 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 12:58)

سريعا أرسل الرئيس محمود عباس برقيته الى "الصديق الأعز" رئيس الشاباك الإسرائيلي، بأن ما تم التوافق عليه في اللقاء الأخير لا مساس به، ونجحت "خطة العمل المشتركة"، في بيان "ناري" كما تهديد الفصائل الدائم، بعد أي حدث خطير بأن أبواب جهنم ستفتح على إسرائيل، وتنتهي المسألة بأن تصبح جهنم على حياة الفلسطيني شعبا وقضية و"بقايا وطن".

المفارقة السياسية، التي تستحق الانتباه، تلك الخاصة بالسلوك العام للرئيس عباس وفريقه القيادي الجديد "لجنة العشرين"، في كيفية تناول مسار الأحداث مع دولة الكيان، ومع الشعب الفلسطيني عامة وأهل قطاع غزة خاصة، ما يكشف جوهر العلاقة التي يرتبط بها عباس وفريقه مع كل منهما.

لم يكن مفاجئا أبدا، سوى لقلة مصابة بعفوية التصديق، بأن عباس و"فريقه الجديد"، يمتلكون قدرا ما من التعامل الحقيقي مع أي من قرارات المركزي المتخذة منذ عام 2015، وما تبعها من لجان درست وأعادت الدرس، كأي طالب "خايب"، رغم أن "التكرار يعلم البليد"، لكن بلا نتائج تستحق عليها نيل هادة الترقي أو العبور للتالي،  لأنه لن يجرؤ على القيام بتنفيذ أي منها، ليس لعدم القدرة على فعل ذلك بل لعدم الرغبة ضمن مصلحة متفق عليها، فهو عمليا يمكنه أن يقلب الطاولة ليس على الإسرائيلي فحسب بل على المشهد الإقليمي والدولي بكاملة، عبر القيام بتنفيذ بعض تلك الخطوات، خاصة إعلان دولة فلسطين ووقف التنسيق الأمني بكل أشكاله، مع السحب الفوري للاعتراف المتبادل مع الكيان، وترسل رسالة الى الأمم المتحدة وكذلك اللجنة الرباعية الدولية، وقبلها الى جامعة الدول العربية لإعلامهم بتلك القرارات وموعد التنفيذ، وما هي الخطوات المترتبة عليها.

تبدأ فورا بالعمل على ضرورة تنفيذ قرار 19/67 لعام 2012، واعتبار اراضي دولة فلسطين وفق القرار المذكور أرضا محتلة، بما فيها قطاع غزة، وبالتالي تتحمل سلطة الاحتلال المسؤولية كاملة، ويمكن المطالبة بتشكيل قوات حماية دولية.

تأكيد التعامل مع جواز السفر والهوية الوطنية باعتبارهما جواز وهوية دولة فلسطين، بكل ما يفرضه ذلك من اتفاقات خاصة، وقبلها تغيير كل مسميات السلطة لتصبح مسميات دولة فلسطين، وتشكيل برلمان الدولة وحكومة الدولة ورئيسها، واعتبار النظام الأساسي للسلطة الوطنية، بمثابة دستور الدولة المؤقت الى حين تعديل مواده من "برلمان الدولة" بما يتوافق مع التطور الجديد.

 وهذا يفرض أيضا، إعادة بحث أوضاع قوات الأمن بكل مسمياتها وتشكيلاتها، وتحديد مهامها وتعريفها كأجهزة أمن دولة فلسطين، وأن يعاد رسم الاستراتيجية الوطنية لتلك القوات وفق أنها لدولة تحت الاحتلال وليست لسلطة متعاونة مع المحتلين.

لكن ما نراه غير ذلك، حيث دعا عباس وأمين سره، في التنفيذية و"لجنة العشرين" الى ضرورة الصبر والحكمة والتعقل عند البحث في كيفية تنفيذ قرارات المجالس المتكررة ومنها المجلس الأخير يوم 28 - 29 أكتوبر، فليس مطلوبا وفقا لهما، القفز في الهواء، وهي سياسة يمكن القول أنها "حكيمة لو هي حقا نهجا وواقعا في التعامل مع مجمل الأحداث، لكنها لا تستقيم أبدا في مختلف المجالات..

فالدعوة للصبر والتروي والبحث المعمق يقترن فقط بكل ما له علاقة مع دولة الكيان، وجهازها الأمني، حيث "العقلانية" تصبح السيد الحاضر بكل جوانبها.. فيما النقيض تماما بكل ما له علاقة بالشأن الداخلي الفلسطيني، حيث التهديد والوعيد السمة الأبرز، بل ويذهب فورا عباس وفريقه الى تنفيذ خطوات عقابية لكل من لا يرى ذات ما يرون.. بدأت بقرار قطع الرواتب عن آلاف الموظفين ومتقاعدين بمختل فالمواقع، وهذه جريمة سياسية - قانونية، لم تأخذ من وقتهم سوى زمن صياغة القرارات وإصدارها، وترافق معها سلسلة من "الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة، كجزء من "النظرية الغبية" التي روجها الشاباك، بأن حصار غزة يساهم في إنهاك حكم حماس، ولم يتأخروا في ذلك..

حتى اللغة عندما يتعلق الأمر بالحديث عن دولة الكيان والمحتلين تأخذ منحى "النعومة السياسية" و"العتب الرقيق"، وكأنهم "أصدقاء" فيما تهديد ولغة تزبد وترعد وأيدي تتحرك يمنه وسفلى فوقا وتحتا، مرسلة كل علامات التهديد الأعمى لكل من ليس ضمن "تحالف التيار العباسي".

السلوك العام يعكس حقيقة العلاقة التي تربط هذا الفريق بطرفي المعادلة المتناقضة وأين هو خيارهم العملي، بين تهديدات يتم تنفيذها فورا، بلا أي لجنة لا تدرس ولا تراجع، بل يبحثون دوما كيفية زيادة منسوب العقوبات دون أن يصابوا بلحظة من "تأنيب ضمير" لأنه بات "مستترا" بل "غائبا" عن التفاعل مع الوطنية الفلسطينية.

فيما السلوك مع العدو القومي، كيانا ومؤسسات احتلالية، يذهب الى أبعد "أشكال الحكمة"، ويمنحون لذاتهم الوقت الكاف عبر لجان التيه وسراديب لن تصل الى بابها المطلوب.

انعكاس السلوك هو تعريف حقيقي بالمواقف، وليس صدفة ابدا شطب كل ما يتعلق بقرارات القطاع، والاكتفاء بالتلويح "الباطني" بفرض المزيد منها، فيما لا يوجد أي قرار للتنفيذ الفوري ضد الكيان، وكان الأولى أن تعلن كل تلك المسميات رفض أي امتياز خاص من دولة تحتل دولتهم، كمقدمة عملية لوقف الاتصالات الأمنية كافة، وإلغاء مسميات وزارة الشؤون المدنية وإلحاق مكاتبها ووظيفتها الى وزارة الداخلية، وإنهاء فوري لمسميات لجان الارتباط، والاكتفاء بتعيين ضباط اتصال من الوزارات المعنية.

المقارنة هنا بين "سلوك الحكمة والعقلانية" مع العدو مقابل عكسه "غضبا وتهديدا ووعيدا وفعلا" مع الشعب وأهل القطاع، هي مفتاح إدراك حقيقة ما سيكون مصير تلك القرارات، فلن يصدقن احد، ان فرقة سياسية باتت تمثل أقلية شعبية يمكنها ان تخوض "معركة وطنية كبرى" للخلاص من المرحلة الانتقالية بكل أبعادها، والتحضير لفتح جبهة مواجهة سياسية بين دولة فلسطين والكيان الاحتلالي، في غياب أي علاقة وطنية صحية وسوية، ليس فقط مع حماس والجهاد وشخصيات تاريخية في العمل العام، وتيارات سياسية متعددة، بل مع فصائل هي مؤسسة في الثورة والمنظمة.

السلوك هو مفتاح الصدق، فليس بـ "الكلام الخادع" يمكن أن تنتصر!

ملاحظة: ممكن تبطل كل دولة عربية تقيم علاقة ما مع دولة الكيان تقول انها تقوم بذلك لخدمة الشعب الفلسطيني، يا سيدي بنقلكم شكرا، بس نقطونا سكتوكم أقله وبلاش تخلوا العروبة لعنة!

تنويه خاص: كان ملفتا غياب أي سياسي مع عباس عند استقباله وزير خارجية سلطنة عمان، واكتفى بأصحاب ملف التنسيق مع الطرف الإسرائيلي، حت المظهر البروتوكولي بحضور وزير الخارجية لم يكن، العنوان يقرأ من حضوره!