تأخذ أزمة الصيد التي اندلعت مؤخراً بين فرنسا وبريطانيا أبعاداً جدية، إذا لم يتم حلها في أقرب وقت، خصوصاً أن البلدين اتخذا خطوات عقابية تصعيدية قد تؤدي إلى مواجهة فعلية بينهما.
الأزمة الجديدة حول حقوق الصيد البحري هي في الواقع من مخلفات اتفاق «بريكست» الذي تم توقيعه في نهاية العام 2020 والذي خرجت بموجبه بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من دون اتفاق واضح حول حقوق الصيد، إذ إن العديد من الدول الأوروبية ومن بينها فرنسا تصطاد في المياه البريطانية، وتحديداً بالقرب من جزيرة جيرسي، بقيمة تناهز 700 مليون يورو سنوياً.
ونص اتفاق ما بعد «بريكست» على أن يتمكن الصيادون الأوروبيون من مواصلة العمل في بعض أقسام المياه البريطانية ضمن بعض الشروط، وفي المناطق التي لا تزال موضوع تنازع منحت لندن وجيرسي أكثر من 210 رخص صيد لباريس التي تطالب ب 200 رخصة إضافية.
هي إذاً «حرب سمك» بين فرنسا وبريطانيا تأخذ أبعاداً سياسية واقتصادية بين بلدين أوروبيين يفصل بينهما بحر المانش، وتهدد بمزيد من التوتر. إذ إن وزيرة البحار الفرنسية أنيك جيراردان وصفت الأزمة بأنها «ليست حرباً لكنها معركة»، في حين قال وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون، إن لندن «لا تفهم سوى لغة القوة».
بدأت الأزمة على خلفية مباشرة فرنسا تعزيز الرقابة على السفن البريطانية وفرض غرامة على سفينتي صيد «لم تكونا على لوائح التراخيص الممنوحة في بريطانيا» من قبل المفوضية الأوروبية وفرنسا، ويبدو أن هذا الإجراء اتخذ كخطوة انتقامية من باريس لعدم حصولها على التراخيص التي طلبتها.
وقد لوحت فرنسا بفرض حزمة من العقوبات على بريطانيا في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر (الثلاثاء المقبل) في حال استمر الخلاف حول حقوق الصيد. وقالت وزارتا الشؤون البحرية والأوروبية في بيان مشترك إن فرنسا باستطاعتها تكثيف عمليات التفتيش الحدودية والتفتيش الصحي على البضائع القادمة من بريطانيا بشكل خاص، ومنع قوارب الصيد البريطانية من دخول موانئ فرنسية معينة، وتشديد أعمال التفتيش على الشاحنات المتجهة من وإلى بريطانيا. كما هدد البيان بحزمة عقوبات ثانية من بينها عدم استبعاد إعادة النظر في إمداداتها من الكهرباء للمملكة المتحدة.
وقد ردت بريطانيا باستدعاء السفيرة الفرنسية في لندن للاحتجاج على إجراءات بلادها، التي اعتبرتها وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس غير مبررة، وأنها ستواجه بإجراءات ملائمة من نوعها، في وقت أعربت لندن عن استعدادها للتفاوض مع باريس التي قال رئيس وزرائها جان كاستكس إنه منفتح لإجراء محادثات بشرط أن تحترم لندن تعهداتها.
وسط حرب السمك هذه، نتذكر الحروب المديدة بين فرنسا وبريطانيا، خصوصاً حرب المائة عام من 1337 إلى 1453، وحرب الست سنوات بين عامي 1778 و1784، وكانت هذه الحروب باهظة التكاليف مادياً وبشرياً.. لعل حرب السمك الحالية تظل في هذا الإطار المحدود.
الخليج الاماراتية