بعد مشاهدة لفيلم "أميرة" المثير للجدل، كان لا يمكن أن أصرح برأيي الشخصي أو المهني، أو أن أمشي مع أي تيار معارض مهما كان عريضا، حكم غيبيا دون مشاهدة، خاصة أنني من الأشخاص التي لا تحاكم الفن من منطلق أخلاقي، إنما من معيار إبداعي عبر الرسالة والعبرة والقيمة المضافة والفائدة أو مدى دعوة الفن للتفكير أو إعادة التفكير، كما وغلبني بعض التعاطف مع شخص "المنتجة المنفذة الأردنية القائمة على الفيلم في الأردن"، لأنها صديقتي، وهي من قامت بإرسال الفيلم لي لإبداء الرأي، ولأنني احترم نفسي قبل أن أحترم أي شئ آخر، أقول إن الفيلم ليس سيئا فقط بل في منتهى السوء للأسباب التالية:
أولا: ضعف البحث المعمق حول موضوع تهريب النطف وحيثياته وتفاصيله، وهذا خلل لا يمكن التغافل عنه علميا ومنهجيا، أعلم تمام العلم أن الفيلم ليس وثائقيا إنما هو فيلم روائي، ولكن حتى الأفلام الروائية يحب أن تراعي الظروف الموضوعية مثل أبجديات الزمان والمكان على أقل تقدير، وهذا يقود للنقطة الثانية وأهميتها وهي المغالطة الزمنية:
والتي تمت الحبكة على أساسها وهي أن أميرة عمرها 18 عاما، فعليا بداية تهريب النطف بدأ منذ حوالي عشر سنوات أو أقل، وهذا ليس بالأمر العابر بل أمر محوري.. لماذا؟ لأن المجتمع الفلسطيني الواعي لم ولن يتجرأ على ابتكار هكذا طريقة للتناسل، إلا بضمان وضبط عدم اختلاط الأنساب، لأن هذا الشعب الذي يرزح تحت الاحتلال لا يُؤمَن مكره، وهو غير مغيب عن إمكانية العبث أو تبديل السائل المنوي من قبل الضباط الإسرائيليين، وعليه عندما ظهرت تقنيات فحص DNA أصبح بالإمكان ضبط العملية قبل زراعة الأجنة.
ثالثا: أن الفيلم، والذي تاجر تجارة بخسة بموضوع الأسرى، لم يتطرق لأي مظهر من مظاهر معاناة الأسرى نهائيا، ولم يذكر أي انتهاك من الانتهاكات المسجلة دوليا مما يمارسه هذا الكيان الإسرائيلي ليل نهار، لا من قريب ولا من بعيد ولم يصور حتى مشهدا واحدا يدل على مرارة السجن وجبروت السجان.
التسطيح لهذه القضية العادلة، وهي قضية الأسرى بلغ حد الاستخفاف المفرط، لدرجة الغياب الكامل عن حقيقة كيف تجري الأمور حتى مع أهالي الأسرى عند الزيارة من تفتيش مهين وإجراءات معقدة.
رابعا: تغير مسار الحبكة كليا وانحرافه عن جوهر القضية الأساسية "إن وجدت" حدث ذلك الانعطاف في الحبكة، إنه و بعد تحليل النطفة الجديدة من الزوج الأسير لرغبة الزوجين في الإنجاب مرة أخرى تبين أن الزوج عقيم، وأصبح مجرى الفيلم يتحدث عن منحى آخر بعيد عن معاناة الأسرى وأبعادها الاجتماعية والإنسانية، بحيث مضى نصف وقت الفيلم وأكثر إلى قضية أخرى في منتهى الإسفاف والتفاهة والفظاظة في أخذ عينات لفحص DNA من كل الرجال المحيطين بالزوجة من أشقاء زوجها وجيرانها ومعلم ابنتها أميرة في المدرسة لمحاولة إثبات خيانة الزوجة "ما ضل إلا المواسرجي والحداد" ما أخدوا منهم عينات!!!
خامسا البعد المجتمعي: الجهل التام بطبيعة المجتمع الفلسطيني والعربي عموما، المحافظ والمتكتم على أسرار العائلة الصغيرة قبل الكبيرة، بحيث كان الأقارب والجيران والحي ومدرسة البنت أميرة على دراية بأدق التفاصيل العائلية المفصلية والحساسة أولًا بأول دون أي تبرير منطقي.
سادسا: تداخل القضايا والزج بها دفعة واحدة عبر غياب الاحترافية في ذلك النص البائس، حيث ظهرت فجأة مسالة اضطراب الهوية بين الفلسطيني والإسرائيلي دون أي أرضية تمهيدية لذلك.
سابعا: الخاتمة.. تم ابتكار نهاية طفولية لا تليق بعقل المشاهد العربي.
ثامنا: معظم القائمين على الفيلم من الجنسيات الثلاث، صحيح هم من صناع الأفلام المحترفين نسبيا، لكنهم كانوا بلا شك من المتطفلين على القضية الفلسطينية أولاً وقضية الأسرى ثانيا.