قرصنة وأعراض شيخوخة
نشر بتاريخ: 2018/12/24 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 12:15)

في المنقول على لسان رئيس السلطة محمود عباس، أثناء اجتماع ما يُسمى "القيادة" في رام الله؛ هناك ما ينم عن تمسك الرجل بمنهجية القرصنة الرعناء، على النظام السياسي الفلسطيني، وعلى تفاقم حال الشيخوخة الذهنية غير ذات النسق السوي. فالرجل يقدم نفسه بالشيء ونقيضه. لا يرضى أن توصف حماس بأنها إرهابية، لكنها هي التي ترسل اليه مثيري الشغب والرعب. وموضوعها شأن فلسطيني بحت، وينسى أنها اشتكاها الى الجمعية العامة للأمم المتحدة. والشعب صامد لكن مقاومته ليست إلا فوضى، أما صموده الأسطوري فإنه يتمثل في عدم الصمت على احتلال القدس ومطالبته الدائمة بالحماية الدولية، أي إن موقفه اللفظي لا يقل شجاعة عن موقف الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي، وعلى هذا الأساس، يمكن للأمور أن تستمر الى الأبد، دونما حاجة الى الشعب!

وبحكم أعراض الشيخوخة، يكتشف عباس، بعد قرن من صدور تصريح بلفور، ما لم يكتشفه غيره من الساسة والمؤرخين على مر العقود. فيقول إن بلفور هو الذي اقترح إقامة دولة في غزة، وحكم ذاتي في الضفة!

يدفع عباس المشهد الفلسطيني الى المزيد من الاحتقان والتأزم والجنون، ويحاكي نفسه. يتحدث ويقرر، ويستند فيما يقرر الى محكمة دستورية وهمية، لم تعترض مرة على عدم دستورية قراراته ومراسيمه، ولا شأن لها بحال اللا تشكل الكياني الفلسطيني. تراه يبادر الى حل مجلس تشريعي منتخب، لصالح أطر من أعضاء لا يمكن انتخابهم وقد انتقاهم بنفسه. يرى شيخوخة تفويض التشريعي، ولا يرى شيخوخة تفويضه، وهو الذي انتُخب قبل المجلس التشريعي بعام كامل، بينما لا تُجيز الوثيقة الدستورية له أن يقرر شيئاً بخصوص مجلس منتخب، كما لا تجيز له أن يستحدث محكمة دستورية وأن يمنحها صلاحيات البت في مصير النظام الفلسطيني، من وراء ممثلي الشعب ومن المؤسسة التشريعية المنتخبة وحتى من وراء مرجعية منظمة التحرير في أية حال كانت عليها!

يحاول الرجل، تغطية هذه الإندفاعة، بالإيحاء أن حل المجلس التشريعي والذهاب الى انتخابات عامة بغير توافق؛ يستند الى قرار أصدرته لجنة دستورية، ويسجل محاولته تخفيف ردود الأفعال، بتكرار الكلام الذي بلا معنى عن صراع يخوضه ضد أمريكا وإسرائيل، وكأن لدى هاتين من الأدب ومن احترام الآخرين، ما يجعلهما تصبران عليه ساعة واحدة، في حال أزعجتهما سياسته. لا تزال ماثلة أمامنا تجربة الشهيد الزعيم ياسر عرفات ودرسها الأخير!

إن الأمر بالنسبة له، لن يكلف إسرائيل أكثر من تسريب وثائق رزاياه ورزايا من معه الى الصحافة، لكن إسرائيل ــ بالطبع ــ غير معنية بذلك!

ولأن الرجل يكذب في كل شيء، فإن حماس هي التي ترسل اليه من غزة من يثيرون الفوضى. فحماس عنده هي غزة وحسب، وكأن الشعب في الضفة، لا علاقة له بحماس، أو حتى لا علاقة له مع نفسه. فحماس هي التي ترسل من يثيرون الفوضى، لكون المقاومة هي الفوضى التي من شأنها إعاقته عن إفشال صفقة القرن, فمثل هذه المقاومة عنده، لا تفلح بغير تدمير المؤسسات وتوفير الاستقرار لقوات الإحتلال، وحصار غزة وخنقها، وحرمان الناس من حقوقها وإطاحة القانون!

وفي سياق هذه القرصنة على المؤسسات والوثيقة الدستورية، يحاول هذا الرجل ذو الفساد المشهود، وحارس الفساد المتفشي، أن ينصب نفسه حارساً للعدالة والنزاهة، واهماً أن هناك من ينبهر به أو يصدقة. وبالطبع، هو لا يوفر للشهود ضمان السلامة بعد الإدلاء بشهاداتهم وخدمة الحقيقة والعدالة، وفي الوقت نفسه يقول إنه طلب عبر الإنتربول القبض على الفارين من وجه العدالة من الفاسدين والسارقين، علماً بأن كل أسباب المطاردة تنطبق عليه وعلى أولاده وأصدقائهم، والأجدر به أن يقبل التحدي وأن يفتح باب المحاسبة الذي يدخل منه كل ذوي الملفات، لكي تعرف الناس من هم رؤوس الفساد والعمولات، وتسريب الأراضي، وشركاء المستوطنات، وسارقي أملاك الكويتيين في الضفة، وبائعي وسماسرة العقارات من أملاك منظمة التحرير في الخارج، لا سيما في لبنان، ولكي يعرف الناس أيضاً ماذا فعل الفساد في إدارات السلطة والسفارات وديوان الموظفين العام!

لقد أظهر الرجل في حديثه أمام ما يسميه "القيادة" الفلسطينية، أنه لا يزال يتمسك بمنهجية القرصنة، وغن بدت عليه أعراض الشيخوخة الذهنية!