غزة: 3 أشقاء أبى الاحتلال إلا أن يترك رصاصة في قدم كل منهم، بعدما رفضوا الخضوع والبقاء في منازلهم، ليخرجوا إلى مخيمات العودة للمشاركة في المسيرات الكبرى، التي وضعوا عليها آمالا كثيرة للتخلص من جبروت الاحتلال وحصاره للقطاع، لكن قناصة الاحتلال كان لهم رأي آخر بعدما استهدفوا الأشقاء الثلاثة محمد وبلال وإبراهيم دياب برصاصاتهم، التي أحالتهم إلى مقعدين يصطحبون العكاكيز أينما راحوا.
«الكوفية» رصد معاناة الأشقاء الثلاثة وذكرياتهم التي ستظل محفورة في ذاكرياتهم لفترة طويلة.
رصاصة في القدم
رصاصة في قدم كل من الأشقاء الثلاثة محمد وبلال وإبراهيم دياب، ورثها كل منهم قناص إسرائيلي، خلال مشاركتهم في مسيرات العودة الكبري، لتغير مسار حياتهم إلي جحيم غير منقطع النظير، الأشقاء محمد وبلال وإبراهيم من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، كل منهم له قصه وحكاية مع ذلك القناص، وتلك الرصاصة، وذلك السرير الذي وضع عليه فى المستشفى، والعكاز الطبي الذي بات بمثابة مرافق له، وكومة من المسكنات، لتصبح بمثابة الهواء الذي لا يعيش بدونه.
ذكريات لا تنسى
يقول المصاب محمد دياب لـ"الكوفية": "مساء يوم 11 مايو، خلال مشاركتي في مسيرة العودة الكبري شرق مخيم البريج، أصبت بطلق ناري في القدم اليسري، تسبب في تهتك في عظام القدم، وانسداد في الأوردة، وتم نقلي إلي مستشفي شهداء الأقصى على يد أخي الأصغر بلال، وتلقيت هناك العلاج، وخرجت من المستشفى في نفس اليوم، وعاد أخي بلال إلى مخيم العودة في البريج، ليعود هو الأخر مصابًا بطلق ناري في قدمه أيضا في نفس اليوم".
وتذكر محمد مشهد إصابته قائلًا: "لن أنساه طيلة عمري، لا زال محفورًا في ذاكرتي حتى هذه اللحظة، عندما كنت أشارك الشباب الثائر في إشعال إطارات السيارات، وإلقاء الحجارة على جنود الاحتلال بالمقلاع، وفجأة أطلق أحد الجنود الرصاص تجاهي".
العلاج بالخارج للأغنياء فقط
يتابع محمد حديثه لـ"الكوفية" قائلًا: "بعد أربعة أيام من إصابتي بدأت الساق تتورم، وعند ذهابي إلى المستشفي للمراجعة، تم تحويلي إلي مستشفي الشفاء بمدينة غزة، وتلقيت هناك العلاج، ولأننا من أسرة بسيطة لم نستطع الحصول علي تحويله للعلاج خارج قطاع غزة".
ويضيف محمد وفي صوته نبرة حسرة: "أنا متزوج ولدي بنت، وأسكن في منزل إيجار تراكمت علينا أجرته، وأصبحنا مهددين بالطرد في كل لحظة".
وأكد أنه كان يعمل في أحد معامل الباطون، ولكن بعد الإصابة أصبحت غير قادر على العمل، ولا أستطيع توفير أدني متطلبات الحياة، ولا أملك ثمن مواصلات الطريق لأكمل علاجي، ولم ينظر لنا أحد من قيادات هذا البلد بعين الرحمة".
وتساءل الجريح محمد دياب: "هل هذه مكافأة عائلة بأكملها دمر الاحتلال مستقبلها، هل نستحق هذا الكم من التهميش؟ وعدم الاهتمام بنا وبجراحنا ومعاناتنا؟".
أصبحنا معاقين
بلهجة ساخرة يبدأ "بلال" الشقيق التوأم لمحمد حديثه قائلًا: "إحنا أصلا مش عايشين، الحصار والفقر والبطالة والجوع، ذبحنا من الوريد إلي الوريد، وجاءت مسيرات العودة، واستجبنا لنداء الوطن، على أمل أن يتغير حال هذا البلد، ولكن الحال ازداد سوءًا، وكل ما تغير هو حالنا نحن الشباب، أصبحنا معاقين، مقعدين، وبعدما كنا قادرين على فعل أي شيء وبمقدورنا ترتيب أمور حياتنا، أقعدتنا الإصابة.
معاق بدون دخل
"بلال" أكد لـ"الكوفية" أنه كان يعمل في مجال البناء، ورغم أن العمل ليس دائم، ولكنه كان بالكاد يوفر مصورفه الشخصي، ويساعد والده في مصروف البيت، ولكن منذ مساء شهر مايو الماضي انقلبت حياته رأس على عقب، وانتقل بعدها من طابور العمال إلي جيش العاطلين والمعاقين، بعدما أصيب بطلق ناري متفجر في القدم اليمني، ذلك الطلق الذي دمر حياته.
وأضاف: "لم أكن أعرف أن هذه الإصابة ستحرمني من ممارسة هوايتي المفضلة وهي لعب كرة القدم، ولم أكن أعرف أنني سأصبح قعيد الفراش، ولم يخطر ببالي أني سأقضي ما تبقي من عمري جالسا علي باب البيت كما جدتي العجوز".
وتابع: "بعد الإصابة تم نقلي إلى مستشفى الأقصى وتلقيت العلاج اللازم وعدت إلي البيت، لأكمل علاجي هناك، ولكني أصبحت أشعر أني عالة على أسرتي الفقيرة التي لا تستطيع تأمين تكلفة علاجي، في ظل تخلي كافة المسئولين عنا، وتركنا نواجه مصيرنا بمفردنا، نحن وإعاقاتنا فقط ".
إصابة الشقيق الأصغر
إبراهيم دياب الشقيق الأصغر يبلغ من العمر 19 عاماً قال لـ"الكوفية": "خلال مشاركتي في مسيرة العودة شرقي مخيم البريج وسط القطاع، اخترقت رصاصة قناص إسرائيلي قدمي لتستقر في منطقة الفخذ، وتم نقلي إلي مستشفي شهداء الأقصى، حيث تم التعامل مع الجرح، وإخراج الرصاصة، وإجراء عدة عمليات، لأخرج بعدها من المستشفي، ويستقبلني أهلي وأصدقائي استقبال الأبطال، وبعد انتهاء الزوار والمهنئين بسلامتنا بأيام أصبحت أسير غرفتي ذات الأربعة جدران، لا أحد يؤنس وحدتي، الأمر الذب زاد حالتي النفسية سوءًا".
وأضاف: "بدأت أسعي لإكمال علاجي، حتى أستطيع التعايش مع هذا الواقع، وتواصلت مع جمعية أصدقاء المريض، التي ساعدتني في فترة العلاج من خلال توفيرها العلاج اللازم، والعلاج الطبيعي مجانا، ولكن كل شيء بحاجة إلى مصاريف، خروجك من المنزل إلى غزة بحاجة إلى ثمن المواصلات، شراء الدواء يحتاج إلى مصاريف، النفس الذي تتنفسه يحتاج إلي مصاريف، أنا أصبحت معاقًا لا أستطيع العمل، قديما كنت أعمل في البناء مع إخوتي، ولكن اليوم أنا وإخوتي لا نستطيع الخروج من المنزل، ولم يطرق باب بيتنا أحد المسئولين، أو القيادات أو القائمين على مسيرات العودة، لكي يتفقدوا أحوالنا، وأوضاعنا، بالمقابل لو عطس أحد أبناء القادة يتهافتون لاستصدار تحويله مرضية له ويتم علاجه خارج القطاع على الفور.
ويختتم "إبراهيم" حديثه لـ"الكوفية" بقوله: "كما أن للوطن حق وواجب علينا، نحن أيضا لنا على قيادة الوطن حقوق وعلاجنا الحقيقي يكمن في حصولنا على هذه الحقوق".
وناشد الأشقاء الثلاثة المسئولين لسرعة التدخل وتوفير مصدر دخل ثابت لهم، يلبي احتياجاتهم الأساسية، ومنحهم فرصة للعلاج بالخارج.