سياق وأصل الجريمة في العريش
نشر بتاريخ: 2019/06/05 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 13:01)

لا تستحث الجريمة التي اقترفها الإرهابيون في العريش، أي جديد من الكلام في وصفهم، ولا تقدم براهين جديدة على خيانتهم الدين والوطن والأمة بتحالفهم مع الشيطان المُعرّف في كل الديانات والثقافات، رمزاً للشر والتجرد من الضمير وإنكار حق النفس البشرية في أن تحيا، وحق العابد في أن يتوجه الى الله بالدعاء. فهؤلاء، في سياقهم العام، يخوضون حرباً ضد أفئدة الأمهات، ويتخيرون لحظات إزهاق أرواح الشباب والناس الأبرياء، لكي تتوافق مع تهيؤ ضحاياهم للفرح والتجدد الإنساني والمحبة. فهؤلاء، في الدين الإسلامي الحنيف، يمثلون جحفل الأبالسة. ففي المسيحية هم العنصر الساقط سارق الضوء ومنتج الظلام والظلامات،  وبالتالي فإن أتباع هذا الشيطان، منذورون للكُفر والهرطقة والجريمة!

غير أن الأمر، في الأمن والسياسة، يمس مباشرة المعنى الأفدح، المحكوم عليه في كل الديانات والأوطان بأنه التجسيد التاريخي للخيانة، إذ استقر في الوعي الإنساني كله، باعتباره عدواً للفطرة الإنسانية، تُعتبر هزيمته في النهاية، سُنة من سُنن الحياة. فباديء ذي بدء، يستمد أرهابيو سيناء هوامش حركتهم من كون تلك البقعة من وطن المصريين، تُحاذي إسرائيل التي تأسر الأقصى المبارك وتحتل وطن الفلسطينيين. يجعلون ظهورهم لإسرائيل مطمئنين، أما وجوههم وفوهات بنادقهم،  فهي مصوبة الى صدور المصريين، سواء من المصلين المسلمين في مسجد سيناوي لكي يحصدوا أرواحهم بالجملة، أو الى أجناد يتناولون إفطار الصائمين أو يستعدون لاداء صلاة العيد بعد شهر الصيام، كما حدث في جريمة العريش ليلة الفطر!

لا شيء تضيفه الجريمة على مستوى توصيف هؤلاء الأشرار. لكن الأمر يختلف على صعيد العزم المتجدد لدى القوات المسلحة المصرية والقوى الأمنية في الدولة، على اجتثاث هؤلاء الخونة الذين لم يعرف تاريخ الأوطان، أن متراً واحداً فيها، استوعب بقاءهم، ولم يعرف شعباً تقبل أن يحيا فيه أمثال هؤلاء الأوغاد!

فما الذي يتطلع اليه هؤلاء ويأملون تحقيقه في النهاية؟ وأية ولاية ستكون لهم، إن تفحصنا مدلولات عناوينهم ومسميات قطعانهم؟ فإن كانوا  قد حسموا أمرهم، وجعلوا المواطن والمجند والمسلم المصلي والمسيحي المسالم المصلي الذي يكفل له الدين الإسلامي حقه في الحياة الآمنة وفي ممارسة شعائره؛ فكيف ستكون لهم ولاية على الناس؟ وطالما إن الطريق مسدودة أمام الإجابة، فما هي بمنطق الإستفهام التقريري، حقيقة أمرهم إن لم يكونوا محض خونة؟

قبل وبعد الإستفهام التقريري، يمكن العودة الى التاريخ القريب، لصياغة أسئلة أخرى تتوافر الإجابات عنها. لقد اكتملت عودة أراضي سيناء المحتلة كاملة، الى الدولة المصرية في مايو 1982. وطوال نحو خمسة عشر عاماً من احتلال سيناء، لم تظهر ذقناً واحدة من ذقونهم النجسة تقاوم الإحتلال. أما الدولة المصرية وقواتها المسلحة وأذرعها الأمنية، فقد بدأت بعد الإحتلال مباشرة في يونيو 1967 فعاليات المقاومة والرصد، وفي ذلك السياق أنشأت الإستخبارات العسكرية المصرية "منظمة سيناء العربية" التي التحق فيها الكثيرون من خيرة أبناء المجتمع السيناوي، وبعض هؤلاء عرفتهم الحركة الأسيرة الفلسطينية، إخوة أعزاء مناضلين، في السجون الإسرائيلية. فأين كانت مثل هذه الذقون النجسة التي تنتحل الدين وتستغل اليوم أوقات الصلاة لكي تقتل المصلين والناس الأبرياء والجنود الذين يؤدون الخدمة، لكي تظل سيناء جزءاً من وطنها الشاسع؟ وبعدئذ، في أكتوبر 1973 خاضت القوات المسلحة المصرية معركة الشرف والثأر لاسترداد سيناء. والآن، هذه تتعرض هذه القوات القوات برمزياتها وشبابها المتجدد، لهجمات أتباع الشيطان الذين ظهروا بعد ان انحسر الإحتلال. إطمأنت ظهورهم الى إسرائيل، واتجهوا الى الذين أدوا واجلهم الوطني، واستعادوا الأراضي المحتلة!

على مر التاريخ، كانت سيناء في ناظر راسمي السياسات الإمبراطورية الذين وضعوا عيونهم على المنطقة، تمثل ملتقى القارات وحلقة الإتصال بينها، وفي جانبها الغربي قناة السويس أهم حلقات المواصلات في العالم، وقد اعتبروها ذات أهمية استراتيجية لا تُضاهى. وكانت سيناء هي المساحة التي حُسمت فيها أوضاع قلب العالم، في الحرب العالمية الأولى، وعندما احتلتها إسرائيل في العام 1967 اعتبرها الجنرالات الإسرائيليون "قبضة الفولاذ". ولما فاوضت مصر لكي يجلو عنها الإحتلال، ظلت إسرائيل ترى في إخلاء سيناء انكشافاً استراتيجياً لها من الناحية العسكرية، وحاذرت وضغطت لكي لا تمتلك مصر المزايا العسكرية لشبه الجزيرة،ع وقد تحقق الجلاء مع تدابير خاصة لأراضي سيناء، كحل وسط. في ضوء ذلك، في وسعنا أن نعلم حقيقة الخونة الإرهابيين، من خلال مشهد استعراضهم العسكري في بدايات تموضعهم في سيناء، أمام ناظر الجيش الإسرائيلي. لقد شاركت في الإستعراض نحو ألف عربة محملة بالرشاشات الثقيلة، مستفيدة من خلو المنطقة من قوات مصرية كافية لحسم أمرهم.  وعلى الجانب الآخر، كأن سيناء لم تعد "قبضة الفولاذ" ولا ذات أهمية استراتيجية. فقد أصبحت قوة من يزعمون أنهم أصوليون ومتطرفون، أكثر أمناً بالنسبة لهم من القوات المسلحة المصرية، وقد كان ذلك قبل أن ينكشف الطابق وتجري اتصالات لوضع النقاط على الحروف.  

إن القوات المسلحة المصرية، التي يبذل أبناؤها أرواحهم لحماية عروبة سيناء ومصريتها، تواجه عدواً موصولاً بأعداء الأمة، وقد تحققت لها إنجازات معتبرة على طريق النصر النهائي. رحم الله شهداء مصر، والخزي للخونة.