"صفقة القرن" مصطلحٌ خلقته الإدارةُ الأمريكية الحالية، وتناقلته وسائل الإعلام الدوليّة والفلسطينية، من دون إطلاعٍ على تفاصيله، ولكن عند متابعة تسريباته نجده مؤامرة "صهيوأمريكية" لتصفية القضية الفلسطينية، وتقويض حل الدولتين وحلم قيام الدولة الفلسطينية، فقد عمدت الإداراتُ الأمريكية المتعاقبةُ إلى بلورة بعض بنودها على أرض الواقع منذ عدة أعوام.
فقد بدأ تطبيق بعض فصول ما يطلق عليها "صفقة القرن" دون الإعلان الرسمي عنها، بعدما فشلت الإدارات الأمريكية والإسرائيلية في كبح نهج الرئيس الراحل ياسر عرفات "أبو عمار" صاحب البندقية وغصن الزيتون، فقد كان سياسياً ممزوجاً بالكفاح المسلح والشعبي، فقد شكل تهديدًا خطيرًا للسياسات الإسرائيلية في بسط سيطرتها على الأراضي الفلسطينية وخاصة مدينة القدس؛ ومن أجل ذلك قررت الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية إغتيال الرئيس عرفات الذي شكل التهديد الأساسي لمشاريعهم التصفوية، وإخماد جذوة المقاومة الفلسطينية ونشر اليأس والإحباط لدى الشارع الفلسطيني بالتحرر والاستقلال، وتهيئة الأجواء للتفرد الأمريكي والإسرائيلي بتطبيق مخططاتها التصفوية من خلال ما أسمته صفقة القرن بدون أي ضغوط.
واستكمالًا لمخططاتها في إضعاف السلطة الفلسطينية، وتفكيك الجبهة الداخلية، وعدم منح الفلسطينين الوقت الكافي للخروج من أزمة رحيل عرفات، وقد طلبت الإدارة الأمريكية من السلطة الفلسطينية التي يترأسها "محمود عباس" إشراك حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية، فقد وافق عباس على طلب الإدارة الأمريكية التي كانت تنفذ المطالب الإسرائيلية، استجابة للسياسات الإسرائيلية في إدخال الشارع الفلسطيني في الصراعات الداخلية والتنظيمية، وإضعاف السلطة الفلسطينية داخليًا وخارجيًا، وتم ذلك على الرغم من تحذير الأجهزة الأمنية منه، ومن مساعي الأمريكان السلبية من اقحام حركة حماس في دائرة الإنتخابات وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية، وبعد أشهر قليلة بدأت تحذيرات الأجهزة الأمنية تتجلى على أرض الواقع، من خلال إنقلاب حماس على السلطة وسيطرتها على قطاع غزة بالقوة العسكرية، مما أدخل الشعب الفلسطيني حالة من التصدع ونسيان الكفاح الملسح وإفساح المجال لإسرائيل للتغلغل في الضفة الغربية وبسط سيطرتها على القدس والضفة الغربية، وبسبب انشغال الفلسطينين بأوضعاهم الداخلية وفرقتهم الحزبية وانشطار السلطة إلى حكومتين واحدة في الضفة وأخرى في غزة.
ولم تهدأ المحاولات الإسرائيلية لبسط النفوذ على القدس والضفة الغربية، مستغلة حالة الإنقسام والتخبط الفلسطيني وانشغال الأمة العربية والفلسطينية بمشاكلها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، بل تغلغلت داخل بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة التي استباحت الدماء وزرعت الفتنة والاقتتال الداخلي داخل شعوب الدول المناصرة للقضية الفلسطينية، مستغلة ما عُرف ب"الربيع العربي" لتضعهم في حالة من التخبط والانشغال بأوضاعهم الداخلية، وحرف الأنظار عن ما تقوم به داخل المسجد الأقصى بصورة خاصة وفلسطين بصورة عامة.
تعمل الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية على تضليل الفلسطينيين والعالمين العربي والإسلامي حول مساعيهما ومخططاتهما، في تهويد القدس وتصفية القضية الفلسطينية، بحرف الأنظار عمّا يخططان له من خلال إيجادتهما لقواعد حرب الإستنزاف ونشر الإحباط لدى الشارعين الفلسطيني والعربي، فكلما اتجهت الأنظار صوب المسجد الأٌقصى تقومان بحرف البوصلة السياسية، تارة نحو الجولان وآخرى نحو سيناء وثالثة نحو قطاع غزة بالعدوان المتكرر.
إن الغموض في كشف بنود ما يسمى بـ "صفقة القرن" من قبل الإدارة الأمريكية، يولد القناعة الراسخة بأن هذه الصفقة ما هي إلا مؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية وخدعة للفلسطينين والعرب وبوابة لتطبيع والاختراق للعالمين العربي والإسلامي، ووضعهما في حالة من الضياع والتخبط الفكري في ماهية الصفقة.
ومن الجدير بالذكر، أن "إسرائيل" بسطت سيطرتها على المدينة المقدسة بشكل كامل، بالإضافة لتحكمها الرئيسي بزمام الأمور في الضفة الغربية، مما جعل القيادة الفلسطينة مجرد قطعة شطرنج تتحكم بها كيفما شاءت، وحولت قطاع غزة إلى سجن كبير تتحكم في مفاصل الحياة اليومية لسكانه.
وختامًا يجب على الفلسطينيين التوحد والتكاتف بشكل سريع لإنقاذ ما تبقى من أرضهم المحتلة والعودة مجددًا للسياسة التي كان يعمل بها الرئيس الراحل ياسر عرفات "أبو عمار"، فهي السياسة الوحيدة التي تخشاها "إسرائيل"، ولإيصال صوت الحقيقة للعالم العربي والدولي لفضح ما تقوم به الإدارة الأمريكية و"إسرائيل"، فالفلسطينيون وحدهم القادرون على كشف هذه المساعي والمخططات السامة.
أم أن هناك أيدي فلسطينية شريكة بهذه المساعي؟!