«الأورومتوسطي»: الاحتلال الإسرائيلي يحوّل الشتاء إلى سلاح لإهلاك سكان غزة
نشر بتاريخ: 2025/12/22 (آخر تحديث: 2025/12/22 الساعة: 20:20)

متابعات: دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان المجتمع الدولي والأمم المتحدة ودولها الأعضاء، ولا سيما الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، إلى اتخاذ كافة التدابير اللازمة للضغط على إسرائيل لرفع الحظر المفروض على إدخال المساكن المؤقتة (كرفانات) ومستلزمات الإيواء الأساسية إلى قطاع غزة وضمان دخولها وتوزيعها دون قيود ودون ربطها بأي اعتبارات سياسية أو أمنية.

وحذر الأورومتوسطي في بيان صحفي اليوم الإثنين، من كارثة وشيكة قد تشمل انهيار مئات المنازل المتضررة بشدة على رؤوس أصحابها مع دخول فصل الشتاء، في ظل غياب أي سكن آمن أو قابل للعيش، واضطرار آلاف العائلات للبقاء في مبانٍ متصدعة أو تحت خيام هشّة لا تقي من البرد والأمطار، بما يعرّضهم لخطر الانهيار والإصابة والوفاة ويضاعف حجم الخسائر الإنسانية.

وقال المرصد الأورومتوسطي إنّ الحصار الإسرائيلي غير القانوني والحظر المفروض على إدخال المساكن المؤقتة سدّ عمليًا كل الخيارات أمام آلاف العائلات، فوجدت نفسها مضطرة للعيش في منازل مدمرة أو متضررة على نحو جسيم، تحولت إلى “قنابل موقوتة” قابلة للانهيار في أي لحظة، مشيرًا إلى أنّ الشهر الجاري وحده شهد مقتل 18 مدنيًا جراء انهيار مبانٍ سكنية عليهم، حيث رصد الأورومتوسطي انهيار 50 مبنى منذ أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم.

وأكد المرصد الأورومتوسطي أنّ إسرائيل تستخدم الحصار كأداة تنفيذية لجريمة الإبادة الجماعية المستمرة وإنتاج واقع معيشـي قاتل، من خلال منع وتعطيل الإصلاح وإعادة الإعمار ومنع إدخال المواد والمعدات اللازمة لرفع الركام وترميم المنازل وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، إلى جانب عرقلة الاستجابة الإنسانية وتقويض قدرة الجهات الإغاثية على توفير الحد الأدنى من الحماية.

وقال إنه ونتيجة لذلك، يُدفع المدنيون إلى خيارات قسرية بين البقاء في مبانٍ متصدعة مهددة بالانهيار أو اللجوء إلى خيام هشّة لا تقي برد الشتاء وأمطاره، فيما يُحاصر سكان غزة داخل مساحة متقلصة ومكتظة وتُدفع العائلات إلى التنقل القسري المتكرر بين مناطق مدمّرة تفتقر إلى الحد الأدنى من الأمان والخدمات، بما يرسّخ ظروفًا معيشية مُهلكة ويجعل الخطر على الحياة نتيجة متوقعة ومستمرة. ، بما يرسّخ ظروفًا معيشية مُهلكة ويجعل الخطر على الحياة نتيجة متوقعة ومستمرة.

ونبّه المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ التغيّرات الجوية المصاحبة لفصل الشتاء وتساقط الأمطار ترفع على نحو حاد احتمالات انهيار المنازل التي تضررت بنيتها الإنشائية بفعل القصف ولم تخضع لأي أعمال تدعيم أو ترميم، موضحًا أنّ تسرب مياه الأمطار إلى الأساسات والجدران المتصدعة يُسرّع تآكلها ويضاعف خطر الانهيار المفاجئ، ولا سيما في ظل الحظر الإسرائيلي الشامل على دخول مواد البناء ومستلزمات التدعيم ووسائل الحماية المؤقتة، بما يضع حياة القاطنين في دائرة خطر دائم ووشيك.

وأشار الأورومتوسطي إلى أنّ مئات الآلاف من النازحين الذين لجأوا إلى الخيام ليسوا بحالٍ أفضل مع حلول الشتاء، إذ تسبب البرد القارس بوفاة خمسة أطفال على الأقل خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري وحده، فيما أتلفت الأمطار الغزيرة نحو 27 ألف خيمة بما تحويه من أغذية وممتلكات، في وقت تتكدس فيه الخيام داخل مناطق منخفضة تتجمع فيها السيول أو فوق أراضٍ مثقلة بالأنقاض، وسط بيئة تفتقر إلى الحد الأدنى من البنية التحتية القادرة على تصريف المياه أو مواجهة الهطول المستمر والتدني الحاد في درجات الحرارة.

وبيّن أنّ سياسة “منع الإيواء” التي تنتهجها إسرائيل تستهدف تدمير البيئة السكنية للفلسطينيين في قطاع غزة وتجريدهم من حقهم في السكن والعيش الآمن، إذ لا يمكن فهم تدمير مدن وأحياء كاملة، ومنع إصلاحها وإعادة بنائها، ومنع إدخال أي بدائل مؤقتة لإيواء سكانها، بوصفه أثرًا جانبيًا للعمليات العسكرية، بل نمطًا متعمّدًا يرمي إلى تفريغ المكان من سكانه الأصليين عبر تحويل السكن إلى استحالة عملية ودفع العائلات إلى اقتلاع قسري متواصل.

وأوضح أنّ هذا النمط من الانتهاكات يشكّل تكتيكًا استراتيجيًا منهجيًا لإحداث تهجير قسري طويل الأمد عبر محو مقومات الحياة الأساسية، بما في ذلك المأوى والبنية التحتية وشروط الاستقرار، على نحو يُفضي إلى تقويض الوجود الفلسطيني ماديًا على الأرض من خلال تحويل البقاء إلى حالة غير قابلة للاستدامة ودفع السكان إلى الرحيل تحت وطأة الخطر كخيار أخير للبقاء.

وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ استمرار هذه الظروف الكارثية في ظل غياب أي حراك جدّي لإيجاد حلول عاجلة للأزمة يضاعف المخاطر الصحية والإنسانية ويفتك بالفئات الأشد ضعفًا ولا سيما الأطفال وكبار السن والمرضى، ويرفع في الوقت نفسه احتمالات انهيار المنازل وتدمير الخيام ويعرّض النازحين لأخطار متعددة تشمل الفيضانات وتفشي الأمراض المرتبطة بتلوث المياه وطفح مياه الصرف الصحي، بما يحوّل الحياة اليومية إلى معاناة مستمرة تهدد كرامتهم وحياتهم معًا.

وأكّد أنّه لا يجوز، تحت أي ذريعة، إخضاع الاحتياجات الإنسانية الأساسية للسكان المدنيين لأي اشتراطات أمنية أو مقايضات سياسية، إذ تُعدّ حماية الحق في الحياة والسلامة الشخصية وتوفير المأوى الملائم التزامات قانونية واجبة النفاذ بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا تقبل التعليق أو الانتقاص أو الاستخدام كورقة ضغط، مشيرًا إلى أنّ أي قيود متعمدة على إدخال وتوفير مستلزمات الإيواء الأساسية تمثّل انتهاكًا جسيمًا لهذه الالتزامات وتُسهم مباشرة في تعميق الضرر الواقع على سكان يعيشون أصلًا تحت ظروف تهدد حياتهم وكرامتهم بصورة مستمرة.

ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ سياسة إسرائيل في منع إدخال المساكن المؤقتة ومواد الإعمار ومستلزمات الإيواء إلى قطاع غزة تندرج ضمن سياق جريمة الإبادة الجماعية المستمرة ضد الفلسطينيين منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مؤكّدًا أنّ هذا الحظر يستوفي بصورة واضحة ركن الجريمة المتمثل في “إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي”، إذ تُحوِّل إسرائيل فصل الشتاء بما يرافقه من برد وأمطار إلى أداة إضافية للفتك بالسكان عبر إبقائهم بلا مأوى فعلي وبلا وسائل حماية أو إصلاح، بالتوازي مع ما تخلّفه عملياتها العسكرية من قتل مباشر وتدمير واسع وتهجير قسري.

وبيّن أنّ إسرائيل، بصفتها طرفًا في نزاع مسلح وسلطة قائمة بالاحتلال، وكونها دولةً مُلزَمة بأحكام القانون الدولي الإنساني واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، تتحمّل المسؤولية القانونية الكاملة عن ضمان حق السكان المدنيين في السكن اللائق والآمن، مؤكدًا أنّ الحظر المفروض على إدخال مواد البناء ووسائل الإيواء المؤقتة يشكّل انتهاكًا جسيمًا لهذه الواجبات، وخرقًا سافرًا لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان التي تفرض حماية الأعيان المدنية وتأمين حياة السكان.

وحثّ المرصد الأورومتوسطي المقرر الخاص على دعوة المجتمع الدولي والأمم المتحدة ودولها الأعضاء، ولا سيما الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة وذات أثر، تشمل ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية حقيقية على إسرائيل وفرض تدابير تقييدية وعقوبات رادعة لإلزامها برفع الحظر فورًا وإدخال المساكن المؤقتة وتجهيزات ولوازم الإيواء وكافة المستلزمات المنقذة للحياة، وتأمين وصولها وتوزيعها دون قيود ودون ربطها بأي اعتبارات سياسية أو أمنية، بما يتناسب مع خطورة الظروف المناخية الراهنة وحجم الخطر على حياة المدنيين.

وطالب المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي باتخاذ خطوات فورية وفعّالة لضمان امتثال إسرائيل للتدابير التحفظية الصادرة عن محكمة العدل الدولية، بما يكفل منع المزيد من الأضرار الجسيمة وحماية السكان المدنيين ورفع أي قيود تعرقل وصول الاحتياجات الأساسية المنقذة للحياة.

وطالب المرصد الأورومتوسطي المقرر الأممي الخاص المعني بالسكن اللائق بتوجيه نداء رسمي وعاجل للسلطات الإسرائيلية للمطالبة بإنهاء الحظر المفروض على دخول المساكن المؤقتة ولوازم الإيواء الأساسية إلى قطاع غزة، على ضرورة أن يتضمن النداء تحذيرًا واضحًا بأنّ استمرار هذا المنع، في ظل ظروف فصل الشتاء، يرقى إلى مستوى "القتل العمد"، عبر فرض ظروف معيشية مهلكة، وهو ما يستوجب مساءلة جنائية دولية.

ودعا المرصد الأورومتوسطي المقرر الأممي إلى تسليط الضوء في تقاريره لمجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة، على سياسة إسرائيل في "منع الإيواء" بوصفها ركنًا مكملاً لجريمة "إبادة المنازل"، والإقرار بأنّ تدمير المنازل ومنع إعادة بنائها أو توفير بدائل مؤقتة لها، ليس إجراءً عشوائيًا، بل وسيلة استراتيجية تهدف إلى تهجير السكان قسريًا وتجريدهم من حقهم الأساسي في الوجود على أرضهم.