غاز في الأنابيب وجفاء في السياسة.. لماذا ترفض القاهرة "المقايضة" السياسية بالصفقة الكبرى؟
نشر بتاريخ: 2025/12/23 (آخر تحديث: 2025/12/23 الساعة: 13:17)

أثارت صفقة الغاز الإسرائيلية الضخمة مع مصر، التي أقرتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقيمة تُقدَّر بنحو 35 مليار دولار، موجة واسعة من التفسيرات والتحليلات في وسائل الإعلام العبرية، باعتبارها الأكبر في تاريخ إسرائيل على صعيد صادرات الطاقة.

هآرتس: مكاسب اقتصادية لمصر دون رهانات سياسية

وفي تحليل نشرته صحيفة هآرتس، اعتبر المحلل السياسي الإسرائيلي تسيفي برائيل أن الاتفاق يشكّل خبراً إيجابياً لسوق الطاقة المصرية التي تعاني من ضغوط متزايدة، لكنه حذّر من المبالغة في نتائجه السياسية، مؤكداً أن من يراهن على أن الصفقة ستخلق تبعية سياسية أو تكبح الانتقادات المصرية لإسرائيل "قد يصاب بخيبة أمل".

وأشار برائيل إلى حالة الاحتفاء الإعلامي في إسرائيل بالإعلان عن الصفقة، مع بث لقطات لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهو يصافح وزير الطاقة إيلي كوهين، في مشهد يوحي وكأنهما المالكان المباشران للشركات الإسرائيلية والأميركية الموقعة على الاتفاق.

تجاهل رسمي مصري

في المقابل، لفت برائيل إلى أن الصحف المصرية الرسمية، وفي مقدمتها الأهرام، تعاملت مع الاتفاق بفتور شديد، مكتفية بوصفه امتداداً لصفقة الغاز الموقعة في أغسطس الماضي، من دون توضيح أسباب تنظيم حفل إعلان جديد بعد تأجيل إسرائيلي استمر أسابيع.

اقتصاد بلا أوهام سياسية

وخلص برائيل إلى أن التجربة المصرية تؤكد أن "الاقتصاد شيء والسياسة شيء آخر"، فالقاهرة تستفيد من التعاون الاقتصادي مع إسرائيل دون تردد، مع استمرار إدانتها السياسية، مشدداً على أن الاتفاق لن يغيّر الموقف الرسمي أو الشعبي المصري، لا سيما في ظل استمرار الحرب على غزة.

غلوبس: الصفقة تدخل مرحلة التنفيذ الفعلي

من جهتها، ركزت صحيفة غلوبس الاقتصادية على الجوانب الإيجابية، معتبرة أن الصفقة الأكبر في تاريخ إسرائيل أصبحت على أعتاب التنفيذ بعد منح وزارة الطاقة التصريح النهائي لتصدير الغاز من حقل "لوياثان" من دون قيود إضافية.

وأوضحت أن الاتفاق، الموقع في أغسطس الماضي، ينص على تصدير نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز حتى عام 2040، بقيمة تتجاوز 100 مليار شيكل، بعد مفاوضات طويلة هدفت إلى تحقيق توازن بين التصدير وتلبية احتياجات السوق المحلية.

ضمانات للسوق الإسرائيلي واستقرار للأسعار

وتعهد شركاء حقل "لوياثان" بتزويد السوق الإسرائيلي بكامل الكميات غير المصدّرة عبر عقود طويلة الأجل بأسعار مرتبطة بتعريفة الكهرباء المنزلية المستقرة حتى عام 2040، إضافة إلى التزامات مماثلة للعقود القصيرة حتى 2032، مع إعطاء أولوية مطلقة للاستهلاك المحلي وصلاحية للوزارة لتقنين التصدير يومياً عند الحاجة.

تنشيط الاستثمار والتنقيب رغم التحذيرات

وأشارت غلوبس إلى أن منتجي الكهرباء الخاصين الجدد سيستفيدون من إمدادات غاز مضمونة بأسعار منخفضة، ما يسرّع إقامة محطات توليد جديدة، رغم تحذيرات من تراجع المنافسة. كما تساهم الصفقة في منع ارتفاع أسعار الكهرباء مستقبلاً، مع الحفاظ على أسعار غاز أقل من المعدلات الأوروبية.

كما اعتبرت الصحيفة أن الاتفاق يعيد إحياء عمليات التنقيب عن حقول غاز جديدة بعد تعطّلها بسبب الحرب، مع توقعات بإجراء مسوحات سيزمية في النصف الأول من عام 2026.

أهمية استراتيجية لمصر وسط أزمة طاقة

وبالنسبة لمصر، تحمل الصفقة بعداً استراتيجياً بالغ الأهمية، في ظل تحولها إلى مستورد صافٍ للغاز نتيجة تراجع إنتاج حقل "ظهر" وارتفاع الطلب السكاني والصناعي. وأشارت الصحيفة إلى أن القاهرة كانت مهددة باللجوء إلى استيراد الغاز المسال من قطر، لولا هذه الصفقة، مؤكدة أن الغاز الإسرائيلي المنقول عبر الأنابيب أقل كلفة، ما يدعم استقرار الكهرباء واستمرارية النظام الطاقي في البلاد.