مرة تلو أخرى ترجئ الإدارة الأمريكية طرح خطة رئيسها المعروفة بصفقة القرن المرات الأخيرة التي تم تأجيل الإعلان عنها ارتبطت بإسرائيل، على خلفية الانتخابات التشريعية لديها، وعندما أقدم الرئيس الأمريكي إلى دعم نتنياهو للفوز بهذه الانتخابات عبر جملة من الهدايا والقرارات المجانية كالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية ووقف دعم أونروا لإزالة وإلغاء ملف حق العودة للاجئين الفلسطينيين ثم الإعلان عن السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة مع ذلك نجح نتنياهو في الانتخابات لكنه أخفق في تشكيل حكومة جديدة وبانظار انتخابات مستعادة منتصف أيلول / سبتمبر القادم تم تأجيل الإعلان عن الصفقة مجدداً حتى نوفمبر / تشرين ثاني القادم أي بعد تشكيل حكومة برئاسة نتنياهو على اثر نتائج تلك الانتخابات، غير أن استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً، أشارت إلى أن نتائج الانتخابات القادمة ستكون كمثيلاتها السابقة، ولن يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة يمينة جديدة وعليه فإن الربط بين الإعلان عن “صفقة القرن” وحكومة برئاسة نتنياهو من شأنه تأجيل وربما إلغاء هذه الصفقة كما ترى أوساط عديدة في إسرائيل.
للخروج من مأزق الإعلان عن صفقة القرن المؤجلة مرة تلو المرة لجأت إدارة ترامب إلى إحياء هذه الصفقة من خلال الدعوة إلى “مؤتمر السلام من أجل الازدهار” في العاصمة البحرينية “المنامة” غير أن الرفض الشعبي والرسمي الفلسطيني لهذا المؤتمر باعتباره أحد قنوات صفقة القرن أدى إلى تحويل المؤتمر إلى مجرد ورشة هزيلة بعدما أعلنت عدة دول عن مشاركة متدنية التمثيل بما في ذلك المشاركة الاسرائيلية مع امتناع وتردد عدة دول ورجال إعمال عن المشاركة في هذه الورشة.
الاسرائيليون الذين ربما سيصوتون في انتخابات برلمانية لمرة ثالثة في غضون عدة أشهر، لا يرون في الربط بين تشكل نتنياهو لحكومة والاعلان عن صفقة القرن مجرد تقاطع زمني بل ربطاً وثيقاً بين الصفقة والرؤية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ نهائي، لذلك يتوجب أن تكون هناك حكومة يمينة إسرائيلية تتماثل مع رؤية ترامب لهذا السبب تعبيراً عن المد اليميني المتزايد على مستوى خريطة العالم وما شهدته من تحولات سياسية يمينية بعد وصل ترامب إلى البيت الأبيض.
باستثناء أقلام قليلة لم تشهد وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ الإعلان عن أن هناك خطة لدى الرئيس الأمريكي باتت تسمى “صفقة القرن” وتفاعلاتها في سياق ملفات القدس والجولان والأونروا، لم تشهد الحماس الذي كان متوقعاً من كتاب الأعمدة وأصحاب الرأي في الصحف والقنوات التلفزيونية الإسرائيلية، وفي الغالب انتقد هؤلاء وعارضوا بشكلٍ مباشر حيناً ومبطناً في أحيانٍ أخرى ورشة البحرين، البعض اعتبرها قد ألغيت من الناحية العملية بعدما تحولت إلى مجرد مشاركة محدودة من قبل بعض رجال الأعمال الذين ليس لديهم أي قرار، وتراجع المشاركة الإسرائيلية من وزير المالية إلى رجال أعمال إسرائيليين، وحسب هؤلاء فإن هذه الورشة بحكم الملغاة مقارنة بالأهداف الأساسية لدى قرار عقدها من قبل البيت الأبيض.
بعض كتاب الأعمدة في إسرائيل، رأى أن الضغط الأمريكي المتواصل من خلال المشاركة على مستوى عال في أعماله وإخفاقها في ذلك، مقابل ضغط فلسطيني من خلال التمسك بالموقف المعارض والمنتقد فإن ذلك يشكل انتصاراً تكتيكياً فلسطينياً، حتى أن بعض الكتاب الإسرائيليين نصحوا الفلسطينيين بعدم الإقدام على أي مظاهرات أو مؤتمرات ضد ورشة البحرين بإعتبار إن الورشة مآلها إلى الفشل ولا حاجة لأي جهد لإفشالها ” يوسي بيلن / اسرائيل اليوم / 19/6/2019″.
وفي حين أن هؤلاء من كتاب الأعمدة وضيوف الحلقات الإذاعية والتلفزيونية رأوا فشل الورشة من خلال تدني المشاركة فيها، فإن البعض الآخر كان أكثر عمقاً في البحث عن أسباب هذا الفشل، الذي اتخذ عنوان طوال ثلاثة عقود ماضية لتسوية الصراع الفلسطيني / الاسرائيلي من خلال ما يسمى “السلام الاقتصادي” أو الشرق الأوسط الجديد، ورأى هؤلاء أن خطأ إدارة ترامب أنها لم تقرأ التاريخ جيداً، وأنه بدون حل سياسي مقنع والاستجابة للتطلعات الوطنية الفلسطينية فإن النظر إلى امكانية رشوة الفلسطينيين ليس فقط يعبر عن لا أخلاقية بعد عديم الجدوى نظراً إلى تمسك الفلسطينيين بحقوقهم الوطنية ويعيد هذا البعض قراءة اتفاق أوسلو ومن ثم الانتفاضات الفلسطينية المتلاحقة التي كانت تعبر عن تطلعات الفلسطينيين السياسية بالدرجة الأولى لذلك يرى بعض هؤلاء من أصحاب الرأي أن التفكير السياسي لبطانة ترامب يشير إلى عدم نضج في الرؤية الشاملة وعدم قدرة هذا الطاقم إلى أن الحل يكمن في رؤية سياسية تستجيب لتطلعات الفلسطيين الوطنية والتخلي عن فكرة ترامب الخطيرة التي تنطلق من الاقتصاد أولاً “عامي أيالون / يديعوت / 2016/2019.