غزة- محمد عابد: مضى أكثر من عامٍ على إصابة الشاب منتصر حلمي الأسطل، بعيار ناري في القدم، خلال مشاركته في مسيرة العودة الكبرى على الحدود الشرقية لخانيونس جنوب لقطاع غزة، ما يزيد على العام ولا يزال الأسطل يعاني ويلات الإصابة وأوجاعها، ولم ينظر له أحد بعين الرحمة، ولم تسمع أناته آذان المسؤولين.
هنا في قطاع غزة، هذه الحالة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وتلك الصرخات تتجدد بشكل شبه يومي في معظم منازل قطاع غزة بفعل الإجرام الصهيوني الذي ارتكبه العدو بحق المتظاهرين السلميين المشاركين في مسيرات العودة الكبرى، مخلفاً عشرات الآلاف من الجرحى، جُلهم من الشباب والأطفال، ولكن الجرح الأكبر حين يتركهم المسؤولون يعانون ليل نهار ولا يلتفتون لمعاناتهم.
ظروف حياتية ومعيشية قاهرة
قناة "الكوفية" التقت بالجريح منتصر الأسطل، صاحب الـ38 عامًا، داخل منزله الكائن بخانيونس جنوب قطاع غزة، ذلك المنزل الذي لا يصلح للحياة الآدمية، وعلى الرغم من ذلك تسكنه عائلة مكونة من 9 أفراد، ورب الأسرة والمعيل الوحيد أصيب بعيار ناري متفجر كاد أن يؤدي إلى بتر قدمه على الفور لولا رحمة الله الذي ساق له أطباءَ مهرة، ولكنه بقي أسيرا لجهاز البلاتين الحديدي الذي زرعه المعالجون في قدمه.
قرر الأطباء بتر القدم
الأسطل يتحدث لـ"الكوفية" وهو يعتصر ألما، فيقول "انضممت إلى المشاركين في مسيرة العودة الكبرى برفقة عدد من الأصدقاء في مساء يوم 27/4/2018، في منطقة خزاعة الواقعة شرق محافظة خانيونس، كان الجميع حريصًا على إيصال رسائل المسيرة بشكل سلمي، وخلال تواجدنا داخل مخيم العودة، وفجأة خلال متابعتنا فقرات المسيرة، انهال علينا سيل من الرصاص الصهيوني الحاقد، وشاهدت الجميع يركض في كل الجهات، ولا أحد منا يفهم ما يدور حوله، فوجئت بشيء كـ"كتلة اللهب يخترق قدمي، أسقطني على الأرض مباشرة، فحملني الموجودون بالقرب مني على الفور إلى مستشفي ناصر،حينها وصفت حالتي بالخطيرة، وقرر الأطباء بتر القدم، لولا أن تدخل أحد الأطباء وتم إدخالي إلى غرفة العمليات حيث خضعت لعملية استمرت أربع ساعات متتالية، تكللت بنجاح، وتم إلغاء قرار البتر، وبعد عدة أيام تم تركيب جهاز البلاتين، وغادرت المستشفى، وتم حجز موعد للمراجعة في العيادة الخارجية للمستشفي, وخلال مراجعتي للمستشفي وجد الأطباء التهاب حاد في القدم، بينما لم يحدث أيُّ تقدمٍ في حالتي ولو بدرجة واحدة، وضاعت الفترة التي قضيتها في العلاج هباء منثوراً".
لم أتمكن من الحصول على نموذج علاج رقم "1"
ويضيف الأسطل، "بعد ان لاحظ الأطباء التهاب الجرح الشديد، قرروا دخولي المستشفى من جديد، وخلال تواجد وفد ليبي في المستشفي نصحوني بضرورة العلاج بالخارج، ولكنني لم أتمكن من الحصول على نموذج علاج رقم (1)، ولم أجد من يساعدني في العلاج بالخارج، وبقيت هنا يرافقني جهاز البلاتين والعكاز الطبي اللذين أصبحا جزءًا من حياتي، نحاول سويًا أن نرسم حياة تتماشى مع هذه المرحلة السوداء ".
استجبنا لنداء الوطن فتجاهلنا المسؤولون
وتابع الأسطل، "نحن استجبنا لنداء الوطن، وشاركنا في مسيرات العودة الكبرى، وحين أصبنا وبترت أقدامنا، وأصبحنا عاهات، لم ينظر لنا أحد بعين الرحمة والعطف، الجميع يبحث عمّا يعنيه ويخصه، أما المواطن البسيط الفقير البائس فالقيادة تستخدمه كوقود للمرحلة، أنا وجميع المصابين لا نستطيع النوم ولا يغمض لنا جفن طوال الليل ونحن نعاني من الصعقات الكهربائية وألم الإصابة ولا أحد من المسؤولين يشعر بما نعاني ولا يكترث لمعاناتنا، أنا أعول أسرة مكونة من تسعة أفراد، جميعهم أطفال، لا أتقاضى سوى راتب الشؤون الاجتماعية الذي أصبح يصرف مرة كل خمسة أشهر، ومنذ إصابتي لا أحد يعيل الأسرة، ولولا أهل الخير يساعدوننا في دفع أجرة البيت لألقانا مالكُ العقار في الشارع، لا نسمع من القادة هنا سوى التصريحات والوعود الكاذبة فقط".
نظرة ترتقي لمستوى التضحية
وناشد الأسطل، كافة المسئولين في الضفة وغزة، والهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة، مساعدته في الحصول على تحويلة مرضية، أو مساعدته في مصاريف العلاج بأي مكان يليق بتضحيته، حتى لا يصل إلى مرحلة يتم فيها بتر قدمه ويصبح عالة على زوجته وأطفاله، مطالبًا المسؤولين بضرورة النظر لقضايا الجرحي بعين الاعتبار، نظرة ترتقي لمستوى تضحياتهم.