هآرتس تكشف وثائق سرية عن مجازر الاحتلال و«جرائم النكبة»
نشر بتاريخ: 2019/07/05 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 20:06)

متابعات: نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية، تحقيقًا، اليوم الجمعة، كشفت خلاله، عن وثائق سرية بشأن مجازر وجرائم ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني عام 1948 وبعده، كانت تحجبها وزارة جيش الاحتلال في قسم سري.

وحسب التحقيق الذي نشرته الصحيفة فإن جنود إسرائيليون ارتكبوا عشرات المجازر، وعمليات اغتصاب فتيات صغار، وسلب ونهب، وتفجير وتدمير قرى بأكملها، بأوامر من دافيد بن جريون، مشيرة إلى أن قسم الأرشيف السري في وزارة الجيش، يستمر في حجب وثائق تاريخية، عن تلك الجرائم لتي ارتاكبت ضد الفلسطينيين منذ العام 1948.

مجزرة قرية الصفصاف

كشف التحقيق النقاب عن مجزرة قرية "الصفصاف" في الجليل الأعلى، حيث اقتحمتها "عصابات الاحتلال" في عملية أطلق عليها "حيرام" في أواخر عام 1948.

وجاء في الوثائق التي كشف عنها أن تلك العصابات "أمسكوا بـ 52 رجلًا، وقيدوا بعضهم بعضا، وحفروا حفرة وأطلقوا النار عليهم، 10 منهم كانوا لا يزالون ينازعون الموت، وجاءت النساء، وتوسلن للرحمة، ووجدن 6 جثث، ثم 61 جثة، وثلاث حالات اغتصاب، إحداهن  فتاة عمرها 14 عامًا، أطلقوا النار عليها وقتلوها، وقطعوا أصابع أحد الضحايا بسكين ليسرقوا الخواتم".

وقالت المؤرخة تمار نوفيك: "لا يوجد اسم في الوثيقة يكشف عمن يقف وراء الهجوم على قرية الصفصاف، لقد تم نزع أوراق منها في المنتصف، الأمر الذي أزعجني كثيرا، وكنت أعرف حقيقة أنني إذا وجدت مثل هذه الوثيقة تضعني في مسؤولية توضيح الأمر".

وبحسب "هآرتس" فإن قرية الصفصاف التي تم بناء مستوطنة زراعية على أنقاضها، اتهم مقاتلوا اللواء السابع بارتكاب جرائم حرب فيها، والمستند الذي عثرت عليه "نوفيك"، والذي لم يكن معروفًا للمحققين، يدعم هذه الادعاءات، ويمكن أن يكون دليلًا إضافيًا على أن النظام السياسي كان يعرف ما يجري في الوقت الفعلي.

وأشار التحقيق إلى أنه منذ بداية العقد الماضي، بحثت فرق وزارة الأمن في الأرشيف بجميع أنحاء البلاد وتجنبت الوثائق التاريخية، وقامت الفرق بنقل الوثائق المتعلقة بالمشروع النووي الإسرائيلي والعلاقات الخارجية لإسرائيل إلى الخزائن، لكنها لا تتوقف عند هذا الحد، حيث تم إخفاء مئات الوثائق في خزائن كجزء من حملة منهجية لإخفاء أدلة "النكبة".

ووفقًا للتقرير، قام أعضاء مجلس الأمن القومي، بإخفاء سجلات تاريخية دون أي إذن قانوني، وفي بعض الحالات على الأقل قاموا بإخفاء الوثائق المعتمدة للنشر سابقًا من قبل الرقابة العسكرية أكثر من مرة، وقاموا بنقل المستندات إلى الأقبية.

"مالاب" القسم الأكثر سرية

وتتبع تحقيق هآرتس، الوثائق التي اختفت، ووجد أن موظفي "مالاب" القسم الأكثر سرية في وزارة الأمن، أخفوا أدلة على شهادة جنرالات جيش الاحتلال حول قتل المدنيين وتدمير القرى، فضلًا عن توثيق طرد البدو.

تاريخ مشكلة اللاجئين

التقت صحيفة "هآرتس" العبرية، بـ"يحئييل حوريف"، الذي شغل منصب رئيس "مالاب" لمدة عقدين حتى عام 2007، والذي اعترف أنه بدأ العملية، التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وأن الجهود المبذولة لإخفاء أحداث 1948 منطقية، لافتًا إلى أن الهدف من تجاهل الوثائق هو تقويض مصداقية الدراسات حول تاريخ مشكلة اللاجئين.

أعمال نازية في الجليل

 حددت "هآرتس"، موقع الوثيقة، التي جاءت في ختام مناقشة للمذابح والترحيل من قبل لجنة "مبام" السياسية، والتي من المتوقع أن تتعاون مع لجنة تحقيق للتحقيق في الأحداث، بما في ذلك ما يسمونه "أعمالا خطيرة" في قرية دوايمة.

 أحد أعضاء لجنة التحقيق اتهم عصابة "الليحي" بالهجوم على قرية دوايمة، في وقت لاحق، ووصف عمليات النهب التي قامت بها قائلًا: "اللد والرملة، بئر السبع، لا يوجد متجر لم يتم اختراقه".

وجاء في نهاية الوثيقة أن "الحزب يعارض الترحيل إذا لم يكن له ضرورة عسكرية، ويرى الضرورة أن هناك طرقا مختلفة، ومن الأفضل توضيح ما حدث في الجليل- أنها أعمال نازية!".

إخلاء القرى العربية

وحسب هآرتس فإن إحدى أكثر الوثائق فظاعة عن تاريخ قضية اللاجئين الفلسطينيين، كتبها عضو في "شاي"، التابع لمنظمة الهاغانا، التي وثقت في الوقت الحقيقي أسباب إفراغ البلاد من سكانها العرب، "حركة هجرة عرب أرض إسرائيل".

الوثيقة كانت أساس مقالة نشرها بيني موريس في عام 1986، بعد إنهاء أمر حظر النشر عليها، وإخفائها عن أعين الباحثين.

بعد سنوات، عاد فريق "مالاب" إلى الوثائق وأمر بالحفاظ على سريتها، ولم يكن بإمكان "مالاب" أن يعرف أنه بعد بضع سنوات، سيجد الباحثون نسخة منها، وينقلونها إلى الرقيب العسكري، الذي سيوافق على نشرها دون تحفظات.

وتتطرق الوثيقة بمقدمة تشير إلى إخلاء القرى العربية، ووفقا للكاتب، فقد تميز شهر نيسان "بزيادة الهجرة"، في حين أنه في "شهر أيار تم إخلاء الأماكن القصوى"، ووصف كاتب الوثيقة "أسباب الهجرة العربية"، لافتًا إلى أن 70% من العرب غادروا فلسطين بتأثير من العمليات العسكرية الإسرائيلية، وهذا يتناقض مع مزاعم إسرائيل بأن قضية اللاجئين سببها دعوة جهات سياسية عربية للفلسطينيين بمغادرة فلسطين.

أسباب مغادرة الفلسطينيين

تصنف الوثيقة أسباب المغادرة حسب الأهمية، لافتة إلى أن أول تلك الأسباب هي القيام بـ"أعمال عدائية مباشرة ضد الناطقين بالعربية"، بينما كان السبب الثاني، هو تأثير تلك الأعمال العدائية على القرى المجاورة، فحين جاء السبب الثالث هو هجمات عصابتي "الإرغون وليحي".

وتابع كاتب الوثيقة أنه "من دون شك أن العمليات العدائية كانت السبب الأساسي لمغادرة الفلسطينيين".

واحتوت الوثيقة على ملحق يصف أسباب تهجير سكان عشرات القرى العربية والتي جاءت كما يلي، "سبب تهجير سكان قرية "عين زيتون"، هو القضاء على القرية بأيدي مجموعات إسرائيلية"، بينما جاء سبب تهجير سكان قرية  قيطية تحت بند "إزعاج، وتهديد بعملية".

واعترفت الوثيقة، أنه تم تهجير سكان قرية "علمانية"، عقب عمليات عسكرية أسفرت عن قُتل الكثيرين من الفلسطينيين، بينما جاء تهجير سكان "الطيرة" بناء على "نصيحة إسرائيلية ودية".

وتابعت الوثيقة:" إن تهجير سكان قرية «عرب عمرير» جاء «بعد سطو وقتل نفذته ايتسيل وليحي» لأهالي القرية، بينما غادر سكان قرية «سمسم» بناء على «إنذار وجهناه»، وتم تهجير سكان قرية "بير سليم" بعد "هجوم على بيت الأيتام". فحين غادر سكان قرية "زرنوقة" بسبب الاحتلال وتهجير".

الاحتلال يعترف بتدمير المنازل

لم يكتفِ "المسؤول عن الأمن في وزارة الأمن" بإخفاء وثائق، وإنما سعى لإخفاء أية شهادة، حتى الشفهية، حول النكبة وطمس جرائم المنظمات المتطرفة الإسرائيلية، ووضع أفراد هذا الجهاز يدهم على تسجيلات سلسلة مقابلات مع شخصيات عامة وعسكريين إسرائيليين سابقين، أجراها "مركز رابين" في بداية سنوات الألفين، في إطار مشروع لتوثيق عملهم في السلك الحكومي.

وحول الجهاز مقاطع واسعة من هذه المقابلات إلى سرية، بعد مقارنة نسخ أصلية لعدة مقابلات، حصلت عليها الصحيفة العبرية، ومقابلات يُسمح بالإطلاع عليها وحّذفت منها مقاطع.

وقد حّذفت مقاطع من شهادة الضابط الإسرائيلي، أرييه شاليف، الذي تحدث عن طرد سكان قرية "صبرا" إلى ما وراء الحدود، حيث حذف الجهاز من شهادته الجملة التالية: "لقد كانت هناك مشكلة جدية في الأغوار.. وكان هناك لاجئون أرادوا العودة إلى الأغوار، وإلى المثلث.. وقمنا بطردهم.. ولدي وثائق تشهد على ذلك".

لواء بجيش الاحتلال يتباهى بتدمير منازل الفلسطينيين

قرر موظفو "مالاب" إخفاء المقطع التالي من مقابلة أجراها بوعز ليف توف، مع اللواء إيلاد بيليد:

توف: هل نتحدث عن السكان النساء والأطفال؟

بيليد: "كل شيء، كل شيء، نعم"

توف: لا تفصلون؟

بيليد: "المشكلة بسيطة للغاية: الحرب بين شعبين وهم يغادرون المنزل".

توف: إذا كانت المنازل قائمة فلن يكون لديهم مكان للعودة؟

بيليد: "إنها ليست جيوشا، إنها عصابات، نحن عصابات أيضا، نترك المنزل ونذهب إلى منزل آخر، فهذا إما منزلهم أو منزلنا".

توف: المعضلات تنتمي إلى الجيل الأخير؟

بيليد: "نعم، اليوم، عندما أجلس على الكرسي هنا تنتابني هواجس".

توف: لم يكن موجودا بعد ذلك؟

بيليد: "انظروا، دعوني أخبركم شيئا أكثر إزعاجا وقسوة، عن الغارة الكبيرة في سعسع، والتي كان هدفها في الواقع ردعهم، لأقول لهم: "أيها الأصدقاء الأعزاء، يمكن أن تصل البلماح إلى أي مكان، وأنت لست محصنا". كان هذا هو قلب المجتمع العربي. لكن ماذا فعلنا، الوحدة التي أقودها فجّرت عشرين منزلا بكل ما كان فيها".

توف: حينما كان ينام الناس هناك؟

بيليد: "أعتقد، ما كان هناك ناس، لقد جئنا، وذهبنا إلى القرية، وضعنا قنبلة بجانب كل منزل، ثم فجرناها، بعد اطلاق شارة صفارة بالبوق. لأنه لم يكن لدينا أجهزة راديو، وكانت تلك إشارة على الخروج".

بن غريون أمر بالتدمير الكامل

قسم آخر من الوثائق، أراد مالاب أن يخفيه تم أخذه من محادثة بين الدكتور ليف طوف والميجور جنرال (أفراسا) تمير:

تمير: "كنت تحت أمرة "شيرا"، وكانت لدي علاقات عمل ممتازة معه، لقد منحني حرية العمل، ولا تسأل، وتمكنت من إدارة عمل الموظفين وتنفيذ عمليتين متطورتين، وفقا لسياسات بن غوريون". كان أحد الأحداث عندما وصلت أنباء عن قوافل اللاجئين عائدة من الأردن إلى القرى المهجورة. ثم قرر بن غوريون تدمير القرى حتى لا يكون لها مكان للعودة إليه، أي جميع القرى العربية، ومعظمها في القيادة المركزية، معظمها".

طوف: هل كانت القرى ما تزال قائمة؟

تمير: "لقد كانت هناك أماكن استوطن فيها الإسرائيليين، مثل قرية زكريا وغيرها من الأماكن، لكن الأغلبية كانت لا تزال مهجورة".

طوف: من بقي؟

تمير:"لم يكن هناك مكان للعودة، لذلك جندت جميع الكتائب الهندسية التابعة للقيادة المركزية، ودمرت كل هذه القرى في غضون 48 ساعة".

طوف: أعتقد دون تردد؟

تمير: "من دون تردد، كانت هذه هي السياسة التي جندتها وفعلتها."

طرد بدو النقب

ويستعرض تقرير هآرتس، عملية حجب الوثائق واستمرار فرض السرية عليها، ومن بينها ملف يتعلق بدليل تاريخي غير معروف لطرد البدو.

وقال التقرير، إنه عشية قيام إسرائيل بالعملية، كان ما يقارب 100 ألف بدوي يعيشون في النقب. بعد ثلاث سنوات، تم إحصاء 13 ألف بدوي فقط في النقب.

في السنوات التي تلت الحرب، تم تسجيل العديد من عمليات الترحيل في الجنوب. في إحدى الحالات، قرر مراقبو الأمم المتحدة أن إسرائيل قامت بترحيل 400 بدوي من قبيلة العزازمة وشهدوا على عمليات حول حرق الخيام.

تصف الرسالة التي ظهرت في الملف المصنف "ترحيلا" لخصائص مماثلة من عام 1956، كما ذكر الجيولوجي أ. فرنس.

"قبل شهر، زرنا رامون، وخرج البدو بالقرب من "محيلا" مع قطعانهم وعائلاتهم وطلبوا منا أن نأكل الخبز معهم، وأخبرتهم أن عملنا كان رائعا ولم يكن لدينا وقت. على الأرض، علمنا أنه قبل ثلاثة أيام، قام الجيش الإسرائيلي بضرب البدو وتدمير قطعانهم. تم إطلاق النار على الإبل، والأغنام في القنابل اليدوية. قتل أحد البدو الذين فتحوا الشكاوى، وفر الباقون".

"قبل أسبوعين، أُمروا بالبقاء في المنطقة لفترة من الوقت، ثم أُمروا بالرحيل، وتم ذبح 500 رأس ماشية.

تمضي الرسالة لوصف أحد الجنود قائلا: "لن يرحلوا إلا إذا قتلنا قطعانهم". جاءت إلينا فتاة تبلغ من العمر حوالي 16 عاما، وكان لديها قلادة على شكل أفاعي نحاسية، وقمنا بتمزيق القلادة وأخذنا كل حبة كهدية تذكارية".