تحل اليوم ذكرى وفاة الشاعر الفلسطيني المقاوم، محمود درويش، ورغم مرور أحدى عشر عامًا على رحيله، إلا أن قصائده وكلماته، لا تزال باقية تصرخ تارة في وجه الاحتلال قائلة " اخرجوا من أرضنا. من برنا.. من بحرنا.. من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا.. من كل شيء، واخرجوا من مفردات الذاكرة.. أيها المارون بين الكلمات العابرة!"، وتحدث تارة أخرى شابًا فلسطينيًا يواجه مخططات الاحتلال وصفقة القرن ويتجرع مرارة الانقسام يوميًا قائلة له:" قف على ناصية الحلم وقاتل.. فلك الأجراس ما زالت تدقّ.. ولك الساعة ما زالت تدقّ"، داعية أياه أن يهزم كل التحديات التي تحول بينه وبين حلمه بتحرير أرضه وشعبه.
الميلاد والهجرة
وُلِدَ محمود درويش في 13 آذار/ مارس عام 1941، قبل الاحتلال بسبعة أعوام في قرية البروة الفلسطينية، التي تقع على جبل الجليل قرب ساحل عكا لأسرةٍ كبيرة من خمسة أبناء وثلاث بنات.
أتم محمود درويش تعليمه الابتدائي في قرية دير الأسد بالجليل قبل أن يفر مع أسرته ضمن عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، الذي هربوا من البلاد أو طُرِدوا منها جراء القذف بالقنابل عام 1947 إلى جنوب لبنان، لكن عاد بعد ذلك بعامين مع أسرته إلى البلاد متسللًا عن طريق دليل فلسطيني يعرف الطرق السرية للجليل، ليجد أن قريته قد دُمِرت تمامًا ويقوم مكانها اليوم مستوطنة موشاف أو أحيهود الإسرائيلية، فانتقل مع أسرته إلى قرية دير الأسد كلاجئين؛ عانى اللاجئون لقرية دير الأسد في الحصول على بطاقات إقامة حيث إنهم كانوا "غير شرعيين" وكانوا بالنسبة للقانون الإسرائيلي حاضرون بأجسادهم غائبون بهوياتهم.
انتقلت عائلته إلى قرية أخرى اسمها الجديدة وامتلكت فيها بيتًا، لكن الشاعر الفلسطيني محمود درويش عاش في حيفا لمدة عشر سنوات وأنهى فيها دراسته الثانوية.
الاعتقال والإقامة الجبرية
بعد الثانوية انضم للحزب الشيوعي الإسرائيلي، وعمل في صحافته محررًا ومترجمًا في صحيفة الاتحاد، ومجلة الجديد التابعتين للحزب نفسه، وترقى بعد ذلك لرئيس تحرير المجلة، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر.
اعتقلته قوات الاحتلال مراتٍ عديدة بتهمة القيام بنشاطٍ معادٍ لـ"إسرائيل" لآرائه السياسية وتصريحاته المعادية؛ فاعتقلوه خمس مرات أولها عام 1961 ثم 65 و66 و67 و69، كما فُرضت عليه الإقامة الجبرية حتى عام 1970.

كانت تلك الفترة شديدة الصعوبة على الفلسطينيين عامةً وعلى محمود خاصةً، ويحكي عنها واصفًا إياها: " كنت ممنوعًا من مغادرة حيفا مدة عشر سنوات. كانت إقامتي في حيفا إقامة جبرية ثم استرجعنا هويتنا، هوية حمراء في البداية ثم زرقاء لاحقًا وكانت أشبه ببطاقة إقامة. كان ممنوعًا عليّ طوال السنوات العشر أن أغادر مدينة حيفا. ومن العام 1967 لغاية العام 1970 كنت ممنوعًا من مغادرة منزلي، وكان من حق الشرطة أن تأتي ليلًا لتتحقق من وجودي. وكنت أعتقل في كل سنة وأدخل السجن من دون محاكمة. ثم اضطررت إلى الخروج".

محطات في حياة درويش
ترك درويش فلسطين، ليسافر إلى موسكو ومنها إلى القاهرة، ثمَّ انتقل إلى لبنان ليشغل منصب رئيس مركز الأبحاث الفلسطينية، ثم رئيس تحرير مجلة شؤون فلسطينية، كما شغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وفي عام 1981م أسَّس درويش مجلة الكرمل الثقافية في بيروت، وفي عام 1988م انتخب عضوًا في اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومستشارًا للزعيم الراحل الشهيد ياسر عرفات، كما أنَّه كتب بنفسه إعلان الاستقلال الفلسطيني الذي تمَّ به إعلان الاستقلال في الجزائر عام 1988م.

وعاد درويش إلى أرض الوطن ليقيم في رام الله، إلى أن توفِّي في الولايات المتحدة الأمريكية بعد قيامه بعملية جراحية في القلب، ودفن في قصر رام الله الثقافي في 13 أغسطس/ آب 2008م.

شعره وأعماله
بدأ محمود درويش الشعر في سن صغيرة فكانت أول قصائده وهو في المرحلة الابتدائية، وفي تلك الفترة في الوطن اتسم شعره بالتكون وبداية وعيه بقضية وطنه وانتمائه له تحت قبضة الاحتلال، واتسم عندها بالماركسية ومال للتيار الرومانسي في الشعر العربي المعاصر مقتديًا بشعراء أمثال نزار قباني، وكان نصه الشعري مباشرًا، حتى خرج ليعيش في القاهرة ومن ثم بيروت فبدأ شعره في أخذ طابع الثورية والاهتمام بالقومية العربية. ورويدًا رويدًا تطور أسلوبه فأخذ يستخدم دلالات شعرية أكثر واستخدم التاريخ والدين والأسطورة والأدب والحضارة أكثر من قبل بكثير.
ثم المرحلة الثالثة والأخيرة عندما بدأ في الدخول في مرحلة الوعي الممكن والحلم الإنساني.
حصد محمود درويش بشعره الكثير والكثير من الجوائز مثل جائزة البحر المتوسط 1980 ودرع الثورة الفلسطينية 1981 ولوحة أوروبا للشعر 1981 وجائزة الآداب من وزارة الثقافة الفرنسية 1997 وغيرها الكثير.
الوفاة
ذهب محمود درويش إلى مركز تكساس الطبي في الولايات المتحدة الأمريكية ليجري عملية القلب المفتوحة، فدخل بعدها في غيبوبة جعلت الأطباء هناك ينزعون أجهزة الإنعاش كما كان قد وصّاهم، ليتوفى يوم السبت التاسع من آب/ أغسطس عام 2008.
عاد جثمانه إلى الوطن – رام الله – في 13 آب/ أغسطس، ودُفن في قصر رام الله وأعيد تسميته ليكون "قصر محمود درويش للثقافة".