منذ أشهر عدة، قرر الرئيس محمود عباس عدم استلام أموال المقاصة ردا على "بلطجة إسرائيلية"، بخصم نسب منها الى أن تم التوصل الى تسوية ما حول تلك المسألة، وعاد قرار وقف الاستلام تلك الأموال بعد خطاب الرئيس عباس، كمظهر اعتراضي لوقف الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي.
القرار تم اعلانه دون توضيح كاف للشعب الفلسطيني عن أبعاد تلك الخطوة، التي بدأت غريبة تماما عن سياق ما يجب ان يكون تحديا ومواجهة مع العدو المحتل، خاصة وان الوضع الاقتصادي العام تدهور كثيرا في الأشهر الأخيرة، مع التذكير أن نسبة العاملين في القطاع الحكومي يمثل قوة رئيسية من مجموع العاملين، مضاف لهم ارتباك حركة عمال سوق العمل الإسرائيلي، ما يخلق "أزمة مالية – اقتصادية" لغالبية أبناء الشعب الفلسطيني، بل ان الأمر طال رجال الأعمال الذين تضرروا كثيرا بسبب جائحة فايروس كورونا.
قرار وقف استلام أموال المقاصة، لا يمثل ابدا قرارا ثوريا، ولا يمكن اعتباره أحد أشكال المواجهة مع دولة الاحتلال، فذلك عقاب مباشر لغالبية الشعب الذي يحمل مشعل الرد على المشروع التهويدي، دون فتح ملف ان البعض المنادي بوقف استلام المال، يعيش في حالة غير حال من لا يجد قوت يومه ما لم يستلم راتبه، او بعضا من راتبه، والضفة من شمالها الى جنوبها ساحة مفتوحة جدا، وأهلها يراقبون كل تفصيل بها، فليس من حق غير المتأثرين ابدا أن ينصبوا أنفسهم "دعاة" لقرار لا يضير سوى غالبية أهل فلسطين.
ولذا، وجب على الحكومة ورئيسها د. محمد اشتية، الذي يملك سجلا إيجابيا، وسلوكا خاصا يمنحه ثقة عن غيره من غالبية متخذي القرار، إعادة النظر كليا في مسألة عدم استلام المقاصة الضار جدا، ولو ان القضية تتعلق بشكل الاتصال، فلما لا يتم البحث عن جهة يمكنها ان تكون "وسيطا" لنقل تلك الأموال، كممثل الأمم المتحدة في فلسطين نيكولاي ملادينوف، أو الصليب الأحمر، ويمكن ان تتم عملية استلام أموال المقاصة برعاية أممية، كي لا يبدو الأمر وكأنه "كسر لقرار وقف الاتصال".
بالتأكيد هناك طرق بديلة أخرى، يمكن ايجادها لو أريد حلا لاستلام أموال المقاصة، فكما حدث مع دخول مستوطنين الى بلدة فلسطينية في محافظة قلقيلية، وتم اعادتهم عن طريق الصليب الأحمر، من المفروض البحث في سبل أن لا تصبح حركة المواجهة سلاحا ضد المواطن، مع عدم وجود بدائل يمكنها مساعدته في حياة مصابة بحصار مركب.
وفي خطوة، قد تبدو مفاجئة، قامت قطر بالتنسيق مع إسرائيل، بتأخير ارسال الحقيبة المالية الشهرية الى حركة حماس، كجزء من "التفاهمات السرية" بين الأطراف الثلاثة، نحو تمكين حماس من "حكم قطاع غزة" والعمل على سيطرتها لضمان الأمن الإسرائيلي من الجنوب.
تأخير الحقائب المالية القطرية بالتنسيق مع إسرائيل، أدى الى دفع حماس السماح لبعض أدواتها بالعودة لإطلاق البلالين المتفجرة الى بلدات إسرائيلية شرق قطاع غزة، ليس كفعل مقاوم ضمن سياق خطة – رؤية شاملة، بل مظهر من مظاهر الاحتجاج الخاص بحماس على تأخر المال.
مناورة تأخير الحقائب المالية، تسير نحو تحقيق بعض من أهدافها لتكشف ظهر حماس، في كيفية استخدام "المقاومة" كذريعة لوصول المال، وكشف بعض مظاهر "الصفقة السرية" بينها وحكومة تل أبيب، ما يترك أثرا على "مصداقيتها" ليس مع أهل قطاع غزة الذين يعيشون تفاصيل الحقيقة، بل مع الذين يعتقدون ان "شعارات الإعلام" التي يقرأون ويسمعون هي الحقيقة...مناورة قطرية إسرائيلية أصابت حماس كثيرا في مقتل سياسي.
وسيكون الأمر أكثر فضائحية مع وصول الحائب المالية ووقف البلالين المتفجرة، لتبدوا معادلة "التهدئة مقابل المال" ثابتا ومقياسا للعمل الحمساوي "المقاوم"، مناورة حققت كثيرا من أهدافها بكشف جوانب مما كان مخفيا.
المقاصة والحقائب القطرية والبلالين، طعنة ثلاثية لصورة الكفاح الوطن الفلسطيني.
ملاحظة: 14 يونيو...ذكرى الانقلاب وخطف غزة يمر والظلامية تتسع في بقايا الوطن مع تنفيذ مشروع تهويدي شكل الانقسام عنصرا مركزيا لتغذيته...هل تمثل ذكرى سواد يوم حزيراني قاطرة لطاقة كفاحية كي لا تسقط الراية!
تنويه خاص: لا زالت حركة الفعل الرسمي الفلسطيني منذ خطاب الرئيس عباس بدون رؤية واضحة، بعضها خطوات عشوائية غير مدروسة، تخبط مثير للدهشة..كفى!