التجربة الرواندية وتجاوز حالة الصراع والانقسام
نشر بتاريخ: 2020/06/20 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 21:28)

قال بول كاغامي "لم نأتِ لأجل الانتقام فلدينا وطن نبنيه، وبينما نمسح دموعنا بيد وسنبني باليد الأخرى، وذلك ليس لأن من قَتَلوا يَستحقون الغفران لكن لأن الأجيال الجديدة تستحق أن تعيش بسلام" هكذا استطاعت دولة رواندا أن تنهي حقبة تاريخية سوداء من قاموسها عانت وتعاني منه بلدان كثيرة لم تسطيع معالجته في هذا السياق هل يمكن لنا كفلسطينيين الاستفادة من التجرية الرواندية في تجاوز الانقسام والصراع الذي حدث فيها قبل ثلاثون عاماً؟

وهل يستطيع مجتمعنا الفلسطيني إنجاب قائداً قادراً على ترميم ما أفسده الانقسام الداخلي لأكثر من 14 عاما من التشرذم والحقد والكراهية التي طالت أغلب أطياف المجتمع الفلسطيني؟

مثال ونموذجا نستعرضه كالرئيس الرواندي الشاب بول كاغامي الذي استطاع أن يوقف أكبر حرب إبادة قبلية في القرن العشرين راح ضحيتها نحو مليون قتيل خلال مائة يوم بين قبيلتين تسمى الهوتو، والتوتسي. كيف تجاوزت رواندا الأزمة : وصل بول كاغامي للسلطة عام 2000 حاملا معه هدفين واضحين الأول توحيد شعبه المنقسم بعد المذبحة، والثاني انتزاع بلاده من الفقر، ومن أجل تحقيق الهدف الأول وضع خطة محكمة للتغلب على آثار الإبادة والجرائم :

الذكريات الحية: تعلن البلاد حداد كاملا لمدة 100 يوم كل عام في السابع من أبريل، بالتزامن مع المراسم يعلن الرئيس هدفا سنويا في خطابه التذكاري لتوحيد الروانديين حوله. تثقيف الشباب عبر تدريس المقررات الدراسية حول الصراع، وإقامة المعسكرات الشبابية لمناقشة أسباب الإبادة وكيفية تلافي تكرارها.

تطبيق نظام العدالة التشاركية وتشكيل (لجنة الوحدة والمصالحة الوطنية)، ومهمتها الأساسية عملية التصالح والتسامح، بدءاً من تحقيق العدالة، وعرض الحقيقة، وتعزيز الهوية الوطنية المشتركة.

وطن جديد علم ونشيد وطني ودستور، وحظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وجرم استخدام أى خطاب عرقي .

خطة من أربع بنود فقط حولت رواندا لنموذح فريد للتعايش بين الجناة والضحايا يتصارحوا من أجل العفو ويرتادون نفس الكنائس ويتزوجون من بعضهم البعض.

روندا بعد ربع قرن من الاقتتال والإبادة %56 من البرلمان يشكلهم نساء، وترسيم قانون يمنع التمييز العرقي، أو التلفظ بالهوتو أو التوتسي.

ارتفاع معدل النمو الاقتصادي بـ8% خلال 2014، وزاد عدد السياح الزائرين لها من 105 ألف سائح سنة 2000 إلى ما يقارب المليون سائح سنة 2014، ليتضاعف متوسط الدخل ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة.

أما على مستوى الصحة انخفاض مستوى وفيات الأطفال من 2030 طفلا عام 1998، إلى 55 طفلا فقط عام 2012، وانخفض معدل وفيات الرضع من 120 رضيعا لكل ألف رضيع عام 1998، ليصبح 31,1 رضيع فقط عام 2015.

هذا وتنفق رواندا 27% من ميزانيتها على قطاع الصحة.

على صعيد التعليم، بلغ عدد الملتحقين بالمدارس الابتدائية 93% سنة 2013، بعدما كانت النسبة لا تتعدى 50% خلال التسعينات، كما يتفوق عدد النساء العاملات في مجال التدريس على الرجال.

كما يميز رواندا اليوم ويثير إعجاب السياح بها، هو نظافة شوارعها وجمالها، خصوصًا في العاصمة كيغالي، بشكل يضاهي شوارع العواصم الأوروبية. ولذلك صنفت الأمم المتحدة المدينة كأجمل مدن أفريقيا سنة 2015.

تجربة رواندا جديرة بالدراسة والاطلاع والاستفادة، فبعد أن وضعت الإبادة الجماعية أوزارها، استطاع المواطنون أن يتفقوا على حلّ الخلافات بطريقة (لا غالب ولا مغلوب)، بمعنى أنّ الخسارة كانت لجميع الأطراف، من هنا استطاعت رواندا أن تداوي جراحاتها.

وفي هذا السياق، يتساءل البعض هل يمكننا كفلسطينيين الاستفادة من تجربة ودروس رواندا؟ نعم نستطيع في حال توفرت الإرادة الصلبة، والنوايا الصادقة، والقيادة المخلصة، والانتماء الوطني بدلا من الانتماء الحزبي والولاءات والحسابات الشخصية.

دعوة لصانعي القرار الفلسطيني وأصحاب الفكر الإطلاع الجيد على هذه التجربة وكافة التجارب ذات العلاقة وأخذ العبر والدروس، والاستفادة منها بما يخدم قضايانا الوطنية .