اليمين الاستيطاني مستعد للتخلّي عن الطهارة من أجل "حلم الأبرتهايد"
نشر بتاريخ: 2020/08/26 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 12:41)

تل أبيب: تواجه أجزاء واسعة من المجتمع الإسرائيلي منذ بضع سنوات الفكرة المؤلمة بأنه على رأس دولتهم يقف شخص فاسد، استعداده، حسب الاتهامات، لتجنيد قواته الجماهيرية وسلطاته، التي تم إعدادها للصالح العام، واستخدامها من اجل تحقيق مصالحه الشخصية، هو بدون شك أمر خطير. ولكن يجب أيضا الاعتراف بأن هذه حالة خاصة لظاهرة غير نادرة، موجودة منذ فجر التاريخ، وهي لم تبدأ بنتنياهو ولن تنتهي عندما سيذهب.

لذلك، حقيقة أن السياسي المهم والقوي في إسرائيل متهم بالرشوة والتحايل وخيانة الامانة، ليست هي التي تحول قضايا الآلاف الى حدث تأسيسي في تاريخ الدولة. فقد سبق أن كان لدينا موظفون كبار ووزراء وحتى رئيس حكومة تمت إدانتهم بتلقي الرشوة وبمخالفات رشوة أخرى. القاسم المشترك بين ملفات نتنياهو ليس مضمونها، بل ما يحدث خلفها وحولها. وحملة إنقاذه من المحاكمة هي إعصار يتحرك عبر فضاء سلطة القانون، ويدمر كل ما يعترض طريقه. سنلغي العالم القديم من أساسه. ولكن نتنياهو لا يستطيع وحده خلق إعصار كهذا، فقوته تعتمد على السياسيين والمراسلين والشخصيات العامة الذين يغذون العاصفة ويعطونها القوة.

في الرشاوى «المزعومة» لنتنياهو، فقط هو ومن قدموا الرشوة المتهمون. في حين أن دائرة المسؤولين والمتهمين بجنون مشروع تدمير محاكمته أوسع بكثير، وهو أخطر بكثير ويعلمنا أكثر بكثير عن المجتمع الإسرائيلي مما تعلمنا حقيقة أن رئيس الحكومة أصبح فاسدا.

إليكم مثالا، الصهيونية الدينية الاستيطانية. وهي قطاع نخبوي ومتعال، يثق بأن الخالق هو مدرب فريقهم، ويتحدث عن نفسه بمفاهيم جمهور «نوعي» و»قيمي» (للتمييز عمن هو غير محسوب عليهم، ولا نريد التحدث عمن هو غير محسوب على شعبهم). لا أريد التوقف عند عالم القيم العنصري والمرفوض لهذا القطاع، الذي يدفع قدما باثنوقراطية دينية، واحتقار الانسان غير اليهودي وقمعه. لأن هذه هي الفجوة الايديولوجية الواسعة بيننا، التي سيتم حلها، يؤسفني، يا عضوة الكنيست تهالا فريدمان، فقط بانتصار لأحدنا.

الأمر المتعلق بمسألة الفساد هو سلوك زعماء الصهيونية الدينية الاستيطانية بالنسبة لملفات نتنياهو، حيث إن طهارة الأيدي وطهارة المعايير، على الأقل بشكل رسمي، هي قيم تلتزم بها هذه المجموعة منذ بداية عهدها. وسلوك زعماء اليمين الديني يدل على أنهم اختاروا عدم الوقوف إلى جانب من يريدون تجذير الفساد، بل استغلالها من اجل تحقيق مصالحهم السياسية. صحيح أن هذه ليست اموالا تذهب الى الجيب، وهذا ليس أمر جنائيا، لكن قيمياً ايضا يعتبر هذا فسادا، وهو لا يقل خطورة، وكما يبدو هو أكثر خطورة من الحمار الذي يأملون بأن المسيح ابن داود على ظهره يأتي.

وصلنا الى عتبة الانتخابات الرابعة والى تحصين متهم بالرشوة في مكتب رئيس الحكومة وفي المقر الرسمي فقط لأن اليمين الديني الايديولوجي كان على استعداد ليخترق من أجله مسار الإعفاء من المسؤولية الجنائية. ولأنه يواصل كونه مستعدا لمنح نتنياهو الاعفاء ايضا اليوم، بعد أن تكبد منه خيانات واهانات لا تحصى. التفسير بسيط: من اجل «ارض إسرائيل» مسموح أن نكذب، أن نتحايل، وأن نعفي متهما بتلقي الرشوة من المسؤولية. رئيس حكومة مفاتيح سجنه توجد في أيدي من يؤيدون «ارض إسرائيل الكاملة» هو رئيس حكومة سينفذ كل الأوهام العنصرية المخفية لديهم.

استراتيجية الحصانة مقابل السيادة خرجت من الصندوق في آذار 2019، قبل بضعة اسابيع من الانتخابات. عندها أعلن الرئيس الغض لحزب الاتحاد الوطني، عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش بأنه سيقدم مشروع قانون لحصانة تلقائية لاعضاء الكنيست، بحيث تكون هناك حاجة الى رفعها من اجل تقديمهم للمحاكمة، الامر الذي سيصعب تقديم نتنياهو للمحاكمة. بعد نشر نتائج العينات الانتخابية التي بشرت بأغلبية لحكومة يمين ضيقة (قبل أن يطرح افيغدور ليبرمان مفاجأة القرن السياسية له) كرر سموتريتش اقتراحه: «المفتاح هو اعادة قانون الحصانة الى ما كان عليه حتى العام 2005. وبهذا، يتم اعطاء أمان لكل الشركاء في هذه الحكومة التي ستطول ايامها وتعمل الخير لإسرائيل». بعد ذلك اضاف، وكأنه يتحدث عن موضوع آخر: «رئيس الحكومة وعد قبل بضعة ايام بفرض السيادة في يهودا والسامرة. هذا الوعد يجب تنفيذه».

نفتالي بينيت، المحمول في هذه الايام على امواج «كورونا»، والذي يصعد في الاستطلاعات بصورة ثابتة، أوضح قبل الانتخابات في موعدها الثاني، أن تطبيق القانون على متهم بالرشوة الحكومية الخطيرة غير موجود على أجندته: «اذا كانت هناك حكومة مستقرة فيجب أن يكون هناك شيء خطير جدا من اجل أن أعارض الحصانة». زميلته عضوة الكنيست اييلت شكيد أكدت على اقواله بعد بضعة أيام من ذلك. وعن الوزير رافي بيرتس، الذي خرق كل تعهد سياسي ممكن من اجل الانضمام الى حكومة المتهم، من الخسارة أن نتحدث. لا أحد منهم غيّر موقفه، أو صرح حتى الآن بأن تشريعا يوقف محاكمة نتنياهو غير موجود على جدول الأعمال.

قيم طهارة المعايير وطهارة اليدين في الخدمة العامة معروضة للبيع على أيدي أحزاب اليمين الديني. الثمن يمكن أن يتغير. ضم ثلاث كتل استيطانية في يوم ما، كل منطقة ج. أصبحت السوق سوقاً للبائعين. تشمل الصفقة ليس فقط إنقاذ متهم بالرشوة من المحاكمة، بل كل ما هو مرتبط بذلك، بما في ذلك دعم ومساعدة في تدمير مؤسسات انفاذ القانون وتصفية حراس العتبة. ربما لا يجب أن نستغرب عندما يدور الحديث عن قطاع خبزه هو السيطرة على ارض آخرين وطرد اصحابها بالقوة، وبناء غير قانوني واستخدام اموال الجمهور من اجل ذلك.

عندها فكروا بهذا، أنتم الذين فجأة وجدتم في نفتالي بينيت ملاذاً لأنكم تأثرتم بانتقاده اللاذع لمعالجة الحكومة لازمة «كورونا». تاريخ حزبه يظهر أنه أحد أحزاب الاعصار، وهكذا ايضا الواقع الذي يرفض فيه التعهد بأن لا يعود لتعزيز العاصفة لأنه ربما يستدعيهم نتنياهو مرة اخرى. اجل، مقابل تجسيد حلم الابرتهايد فان بينيت وشكيد وسموتريتش، مثل الذئب في القصة عن الخنازير الثلاثة، مستعدون للنفخ كثيراً إلى حين انفجار كل البيت.

 

 عن «هآرتس»