"حماس" وإسرائيل تتبادلان "الضربات المضبوطة"
نشر بتاريخ: 2020/08/27 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 13:53)

تل أبيب: يجري تبادُل الضربات بين إسرائيل و»حماس» في قطاع غزة حتى الآن بطريقة حذرة. هذه الحرب غريبة قليلاً: على الرغم من إطلاق القذائف والبالونات الحارقة، وعلى الرغم من الهجمات التأديبية الليلية للجيش الإسرائيلي، ليس هناك قتلى. وحتى الآن بصعوبة لم يُصب شخص ما بخدش. الاثنين الماضي قُتل 3 نشطاء من «الجهاد الإسلامي» في غزة، على ما يبدو في «حادث عمل» - خلل وقع في أثناء تعاملهم مع صاروخ أو عبوة ناسفة.

في الحالة الفلسطينية الصواريخ والبالونات ليستا سلاحاً دقيقاً، مع أنه اتضح أن الفصائل في غزة عندما تريد توجيه نار الصواريخ إلى قلب عسقلان لا تجد صعوبة في ذلك. في الحالة الإسرائيلية، التوجه الحذر واضح وبارز. قصف الدبابات لمواقع «حماس»، وأيضاً هجمات سلاح الجو على تحصينات تحت الأرض ومخازن سلاح تجري في أوقات يعرف الجيش الإسرائيلي بصورة أكيدة أنها كلها خالية من الناس.

التصعيد في القطاع في الأسابيع الأخيرة موجّه في انتظار وصول محمد العمادي، السفير القطري. دخل العمادي مع الإرسالية الشهرية الأخيرة من الأموال النقدية التي جرى الاتفاق عليها مسبقاً. سلطة «حماس» في القطاع تريد زيادة المبلغ (إلى 45 مليون دولار، أو حتى 60 مليون شهرياً، بحسب روايات متعددة). «حماس» مهتمة أيضاً بضمان تقديم المساعدة لأشهر وحتى لسنوات.

في الخلفية، هناك تطورات أُخرى تؤثر في التوترات مع إسرائيل: الانتخابات الداخلية لرئاسة الحركة في تشرين الثاني، والتي ستتميّز بمحاولة خالد مشعل العودة إلى القيادة من منفاه في الخليج، والخوف من «كورونا». هذا الأسبوع، لأول مرة جرى اكتشاف أربعة مرضى لم يُعرَف مصدر إصابتهم. المسافرون القلائل العائدون من الخارج يُطلب منهم البقاء في حجر كامل عدة أسابيع، لمنع تسلل الوباء إلى القطاع الكثيف سكانياً. السلطات، التي تشعر بالضغط بسبب تفشي «كورونا» في ظروف طبية إشكالية، فرضت إغلاقاً شاملاً لمدة يومين على كل القطاع على أمل أن تنجح بذلك في كبح الوباء. أيضاً هنا التعامل مع «كورونا» صارم، إذ وُضعت كاميرات حول المنازل التي يُحجَر فيها الناس، وعوقب عدة أشخاص خرقوا الحجر.

بخلاف الطريقة التي تصوَّر فيها الأمور في إسرائيل، التصعيد الأخير لم يبدأ لأن «حماس» كانت تشعر بالضجر في الصيف. طوال الأشهر الأخيرة، سمحت القيادة الإسرائيلية للوضع في غزة بأن يسخن بالتدريج، إلى أن وصلت الأمور إلى العنف. في كانون الثاني، قبل وصول «كورونا» إلى المنطقة، تحقق تقدم كبير في الاتصالات غير المباشرة بين إسرائيل و»حماس» بوساطة مصرية.

أوقف الفلسطينيون المسيرات العنيفة إلى السياج الحدودي التي كانت تجري يوم الجمعة وعملوا على كبح العنف. في المقابل، وافقت الحكومة الانتقالية برئاسة بنيامين نتنياهو على تقديم تسهيلات اقتصادية واسعة. ووعدت «حماس» بسلسلة طويلة من المشاريع الجديدة في مجال البنى التحتية بتمويل دولي، ومن خلال إزالة القيود والممنوعات الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك وافقت إسرائيل على دخول نحو 7000 فلسطيني، أغلبيتهم من العمال (على الرغم من شهادات تصفهم بأنهم تجار ورجال أعمال) للعمل في أراضيها.

انتشار «كورونا» في آذار عرقل مسار الأمور. تخوفت «حماس» من انتقال الوباء من إسرائيل إلى أراضيها، فمنعت خروج العمال وأغلقت القطاع، وذلك بعد حصولها على مشورة طبية من إسرائيل. وفي الوقت عينه غادر قسم من مدراء المشاريع الأجانب القطاع بسبب الوباء العالمي.

بعد ازدياد خيبة الأمل في القطاع بسبب توقف المشاريع وتفاقم الوضع الاقتصادي، سمحت «حماس» باستئناف العنف. بدأ عناصرها بإطلاق البالونات الحارقة، وأطلقت فصائل أُخرى قذائف. بالنسبة إلى الإسرائيليين من سكان غلاف غزة الذين نعموا خلال فترة «الكورونا» بهدوء استثنائي وطويل، كان هذا تذكيراً مخيفاً بالأيام السيئة. صفارات الإنذار تجددت ومعها حرائق الحقول. فقط قيام الكيبوتسات والموشافيم بالحصاد هذه السنة في وقت مبكر هو الذي منع حدوث أضرار كبيرة في الزراعة.

بالإضافة إلى الهجمات التأديبية، ردت إسرائيل بعقوبات اقتصادية: عرقلت انتقال الوقود إلى القطاع، وانخفض تزوّد السكان بالكهرباء إلى أربع حتى ثماني ساعات يومياً. القيود المفروضة على منطقة الصيد ألحقت الضرر بأرزاق عشرات الآلاف من الفلسطينيين في القطاع. داخل المؤسسة الأمنية نشأ جدل بشأن الخطوات المطلوبة الآن. وكالعادة، الجيش ومنسق الأنشطة في «المناطق» أوصيا بتقديم تسهيلات اقتصادية واسعة أكثر، بما فيها استئناف دخول عمال، على أمل أن يخفف هذا النار. وكالعادة الشاباك يعارض - ويحذر من محاولات تنظيمات إرهابية استغلال دخول فلسطينيين إلى إسرائيل لجمع معلومات استخباراتية للتحضير لهجمات.

ما تطلبه «حماس» من إسرائيل ليس مستحيلاً. باستثناء الخلافات الداخلية بشأن استئناف دخول العمال، التسهيلات الاقتصادية المطلوبة للقطاع يمكن تنفيذها من وجهة نظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. يبدو أن إحدى صعوبات المفاوضات ناجمة تحديداً عن أسلوب الوساطة المصرية. للقاهرة أجندة خاصة، وهي ليست مستعجلة للضغط على الطرفين للتوصل إلى اتفاقات تضمن هدوءاً طويل الأجل. بالإضافة إلى ذلك، بقيت مشكلة جثمانَي الجنديين ومعهما المواطنان الإسرائيليان اللذان لا يزالان على قيد الحياة في القطاع. عدم الرغبة في حل هذه الأزمة، أيضاً بعد مرور سنوات على انتهاء عملية «الجرف الصامد»، يزيد في مفاقمة الوضع حالياً.

لا يزال هناك مجال لخطوة إسرائيلية بالتنسيق مع قطر، لمنع الانزلاق نحو عنف واسع النطاق في القطاع، لا يرغب فيه أحد في فترة «كورونا». رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، أصاب الهدف عندما قال، مؤخراً، عن غزة «لا يهم مع مَن أنت تتحدث، المهم على ماذا نتحدث.» هناك ما يمكن التحدث به مع «حماس»، بهدف التوصل إلى تهدئة طويلة الأجل. الحكومة لا تفعل ذلك، سواء لأنها لا تشعر بضغط حقيقي للقيام بذلك - هذا هو الاحتمال الأسوأ - أو لأن هناك مَن يناسبه إبقاء غزة ساحة يمكن دفعها إلى الاشتعال بسهولة نسبية، عندما تنشأ الظروف السياسية الملائمة.

 

عن «هآرتس»