لم يشكل إياد الحلاق أي خطر، ولم يجب إطلاق النار عليه. هكذا قال شرطي حرس الحدود، الذي كان قائد القوة التي لاحقت الفلسطيني الذي كان يعاني من التوحد، حيث كان في غرفة للقمامة في البلدة القديمة في القدس عندما أُطلقت النار عليه وقُتل.
ومن الأقوال التي قالها الشرطي في قسم التحقيقات مع الشرطة، والتي وصل جزء منها إلى «هآرتس»، يتبين أنه دعا شريكه للتوقف عن إطلاق النار، لكن الأخير لم يستمع إليه وأطلق رصاصتين من بندقيته الـ ام16 على الجزء الأوسط من جسم الفلسطيني.
إطلاق النار القاتل على إياد الحلاق (32 سنة عند وفاته) حدث في صباح السبت 30 أيار.
الشرطي الذي كان في محيط باب الأسباط في البلدة القديمة اعتقد أن سلوك الحلاق مشبوه، وصرخ: «مخرب».
بعد ذلك جرت مطاردته بقيادة قائد القوة، الذي هو أيضاً من جنود حرس الحدود (21 سنة). «قمنا بملاحقته ونادينا عليه، لكنه واصل الركض»، قال القائد في قسم التحقيقات مع الشرطة. «في مرحلة ما أُطلقت النار على الجزء السفلي من جسمه. ولم أشاهد أي إصابة». وفي مرحلة أخرى توجه الحلاق إلى غرفة القمامة (طريق دون مخرج، حسب تعبير الشرطي).
«عندما وصلت نظرت إلى الشاب وصرخت: توقف. كنت أقصد التوقف عن إطلاق النار من قبل رجال الشرطة الذين سيصلون وشريكي»، شرح الشرطي. «بعد ذلك تم إطلاق النار من قبل شريكي، وصرخت عليه مرة أخرى: توقف عن إطلاق النار، توقف عن إطلاق النار. كما يبدو قام المشبوه بحركة ما أدت بشريكي إلى إطلاق النار مرة أخرى».
لماذا مع كل ذلك أطلق الشرطي الصغير النار؟ يعتقد القائد أن السبب هو حركة الحلاق. «حركة صغيرة من الخاصرة والساقين».
مع ذلك، لم يكن إطلاق النار ضرورياً. «قضيت أكثر من سنتين في هذه المنطقة، وأعرف حساسية هذا المكان»، قال، «كانت ثمة فجوة بين التقرير الذي تلقيته في البداية والذي يقول إن الأمر يتعلق بعمل تخريبي وأن هناك شخصاً هدفه المس بالأشخاص الأبرياء وبين الوضع في غرفة القمامة».
وفصّل: «هذا مكان مغلق لا يوجد له أي منفذ، هو لم يهاجم ولم يفعل أي شيء. وهو لم يكن واقفاً بالتأكيد. وهو لم يعرضني للخطر في هذه الوضعية».
عندما واجه المحققون قائد القوة بحقيقة أنه كان أعلى شرطي في المنطقة ولديه خبرة مدتها سنتان في المنطقة وأنه يتحمل مسؤولية ما يحدث، وجه النار نحو الشرطي الصغير: «اسألوه لماذا أطلق النار. كان يجب عليه الإصغاء لأوامري»، قال وأضاف: «كان يجب أن يتم فحص المشبوه عن بعد واستجوابه. بعد ذلك وصل القادة وسمعوا كلينا معا. أبلغت عما حدث، وقلت لهم إنني أصدرت أمراً بالتوقف». وعندما سئل القائد كيف رد الشرطي القاتل على أقواله أجاب: «هو لم يرد».
كان ذاك الشرطي جديداً نسبياً في المنطقة في الوقت الذي حدث فيه الأمر. فقد تجند فقط قبل نصف سنة، وأنهى تدريبه قبل بضعة أسابيع من الحادثة.
وفي التحقيق معه قال إنه على ضوء التوتر في المنطقة فإن النداء الذي أطلقه أحد رجال الشرطة بأن الأمر يتعلق بـ «مخرب» والحركة التي لاحظها، فإنه تصرف بناء على ذلك. ولكن أقواله لا تتفق مع رواية قائده.
«لم أسمع كلمة توقف»، قال وأضاف: «فعلت مثلما علمونا. من ناحيتي يتعلق الأمر بمخرب، قام القائد بإطلاق النار نحوه قبل أن ندخل الغرفة».
رغم أن تحقيق قسم التحقيقات في الشرطة أوشك على الانتهاء، إلا أنه حتى الآن لم تتم أي مواجهة بين الشرطيين بشأن الروايات المختلفة؛ لأن ما حدث في غرفة القمامة لم يوثق بوساطة الكاميرات الموجودة فيها (هي تعود لمقاول خاص ولم تعمل في ذاك اليوم). الكاميرات الأخرى، التابعة لجهاز مباط 2000 والتي تغطي البلدة القديمة، وثقت ما حدث قبل ذلك.
حسب جهات في جهاز إنفاذ القانون التي شاهدت الأفلام، التي لم تنشر على الملأ، فإن سلوك الحلاق كان «مثيراً للشك» ومن شأنه حقاً أن يجعل الشرطي يعتقد أن الأمر يتعلق بـ «مخرب»: كان يرتدي قفازات سوداء وكان يسير نحو باب الأسباط وهو ينظر طوال الوقت خلفه وعلى الجانبين. عندما دخل البلدة القديمة اختبأ وراء عامود اسمنتي، ومن هناك نظر إلى رجال الشرطة في الساحة المقابلة.
بعد ذلك تم عزو هذا السلوك لكونه متوحداً بمستوى أداء منخفض. ولكن في الزمن الحقيقي فإن هذا السلوك وما شك به أحد رجال الشرطة بأنه مسدس – وتبين فعليا أنه أحد القفازات السوداء – جعل هذا الشرطي في الساحة يصرخ: «مخرب».
في مرحلة لاحقة قال هذا الشرطي لمن حوله إنه اخطأ وكان يجب عليه تحذير الحلاق، أو دعوته للتوقف من أجل التحقق من شخصيته، وليس الإعلان عنه كـ «مخرب». «الصرخة»، قال مصدر مطلع على تفاصيل الحادثة «حسمت مصير الحلاق».
من شاهدوا الأفلام القصيرة قالوا إنه في هذه اللحظة بدأت الملاحقة، التي شارك فيها ليس فقط جنود حرس الحدود، بل أيضا رجال شرطة آخرون في المنطقة.
«إذا لم يكن قول إن هذا مخرب كافياً، فإن ملاحقته جعلت الحلاق يهرب وهذا تحول إلى كرة ثلج لم ينجحوا في وقفها»، قال المصدر.
بعد ذلك يبدو أن الحلاق ركض في شارع ضيق نحو البلدة القديمة. وركض رجال الشرطة في أعقابه.
أطلق قائد القوة النار على الجزء الأسفل من جسمه، كما يبدو مرتين، ولم يصبه.
عندها انحرف الحلاق يساراً وانتهى التصوير.
هذا التوثيق، قال هؤلاء الأشخاص المطلعون على الأمر، أيضاً زاد في الوقت الحقيقي البحث عن «سلاح الحلاق»، وفي الساعة الأولى بعد إطلاق النار عليه جرى بحث واسع في المنطقة التي تقع بين باب الأسباط وغرفة القمامة.
من لا تظهر في الأفلام، قالت المصادر، هي معلمة الحلاق التي حسب شهادتها صرخت على رجال الشرطة بأنه معاق.
وحسب قولهم، هي جاءت إلى المكان فقط بعد بضع دقائق. ولكن يمكن أن الأفلام لا تكشف الصورة الكاملة – حرفياً.
في شهادته أمام قسم التحقيقات مع الشرطة قال الشرطي الذي أطلق النار إنه أثناء الملاحقة سمع صوت امرأة تصرخ بذعر.
في حينه، قال، أعتقد أن الأمر يتعلق بامرأة مذعورة بسبب خوفها من حدوث عملية. وليس مستبعداً أنه فعلياً كانت تلك هي المعلمة وأن سبب الذعر كان مختلفاً.
هذه الأقوال، وباقي شهادته أيضا، قالها الشرطي الذي أطلق النار في تحقيق الوحدة الذي أجري معه في اليوم الذي حدثت فيه الحادثة.
وصل قائده إلى غرفة التحقيق في قسم التحقيقات مع الشرطة مرتين بالمجمل. ليس من المؤكد تماما أن هذا المعطى سيتغير على ضوء التقدير بأنه في الأيام القريبة سينتهي التحقيق في قسم التحقيقات مع الشرطة، وسينقلون الاستنتاجات للنيابة العامة.
وماذا بشأن هذه الاستنتاجات؟ القضية ضد قائد القوة الذي تسرح، الآن، من الخدمة، يتوقع أن تغلق. وقصة الشرطي القاتل – الذي نقل إلى وظيفة إدارية إلى حين اتخاذ قرار بشأن تقديمه للمحاكمة – أكثر تعقيداً.
ورغم أنه من الواضح لجميع الجهات ذات العلاقة أنه لم تكن هناك ضرورة لأن تنتهي هذه الواقعة بالموت، فإنه حسب مصادر ذات علاقة بالتحقيق، التوجه هو توجيه تهمة الخطأ في التقدير، وليس القتل المتعمد.
وأضاف شخص آخر إن هناك صعوبة كبيرة من ناحية البينات من أجل تقديمه لمحاكمة جنائية بسبب مخالفة القتل نتيجة الإهمال.
وأشار إلى أنه «يمنع اتخاذ قرار في هذه القضية فقط لوجود ضغط كبير إعلامي أو جماهيري».
وإذا لم تكن هناك محاكمة جنائية، فإنه يبقى احتمالان هما التقديم لمحاكمة انضباطية أو إغلاق الملف. ربما إذا كان الأمر كذلك فلن يعاقب أحد.
من قسم التحقيقات في الشرطة جاءنا رد على ذلك أنه «يقوم بتحقيق عميق ومهني ويبذل قصارى جهده من أجل إنهاء التحقيق في أقرب وقت. والوصول إلى الحقيقة وإبلاغ عائلة المرحوم بنتائج التحقيق واستنتاجاته. في هذه المرحلة، حيث لم ينته التحقيق، لن نتطرق إلى الأعمال التي نفذت أو المتوقع أن تنفذ في هذا الملف».
في الاستجواب الذي قدمته «هآرتس» سئلوا في قسم التحقيقات في الشرطة أيضاً لماذا تأخرت إعادة تمثيل الواقعة، والتي جرت في الليل؟
في لواء القدس نفسه أيضاً مطلوب منهم محاولة استخلاص العبر، وكجزء من ذلك تقرر هناك إجراء تعاون مع منظمات العاملين مع ذوي الاحتياجات الخاصة في محاولة لتحسين سلوك رجال الشرطة في المرة القادمة، التي سيضطرون فيها الى التعامل مع مشبوه أو يُشك بأنه مشبوه، من ذوي الاحتياجات الخاصة. مع ذلك، ممثلو الشرطة ووزارة الأمن الداخلي لا يشاركون في نقاشات اللجنة الوزارية لتحسين تعامل قوات انفاذ القانون مع الاشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، التي تم تشكيلها بعد اطلاق النار على الحلاق. مصادر في اللجنة قالت في حزيران الماضي للصحيفة بأن هذا الأمر يتوقع أن يمس بالقدرة على تحسين سلوك الجهات الأمنية مع الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
المحامية أفرات نحماني بار، ممثل الشرطي القاتل، قالت إن الأمر يتعلق بشرطي في بداية حياته «عمل طبقاً للمعلومات التي أعطيت له، وطبقاً للأوامر والتوجيهات التي أعطيت له. وفهمه بأن الأمر يتعلق بمخرب مسلح في طريقه لتنفيذ عملية استند أيضا إلى المعلومات التي أعطيت له، وأيضا إلى دلائل تثير الشبهة، والتي تراكمت مع تطور الحدث.
سلوك القائد على الأرض، الذي أطلق النار على جسم المرحوم الهارب طوال الملاحقة، ساهم أيضاً في تكوين فكرة أن الأمر يتعلق بمخرب خطير».
وحسب قولها «إطلاق النار نفذ بعد أن قام المرحوم بحركة مثيرة للشك، خلقت شعوراً بأن هناك خطراً على الحياة. وكان هذا كما قلنا، طبقاً لصورة الوضع التي أعطيت له».
بالنسبة لادعاء قائد القوة بأنه قال له توقف عن إطلاق النار، قالت إن هذه الرواية «غريبة، حتى أيضاً على ضوء سلوكه حتى تلك المرحلة.
على أي حال، موكلي لم يسمع أي أمر أو أي تعليمات بالتوقف عن إطلاق النار. شاهدة عيان أخرى كانت في المكان قالت هي أيضاً إن أمر توقف لم يعط».
محاميا قائد القوة، أورون شفارتس ويوغاف نركيس، من مكتب شفارتس – نركيس وشركاه، قالا إنه في فحص جهاز الكذب الذي اجتازه (الذي حسب أقوالهما، رفض قسم التحقيق في الشرطة إجراءه) تم التأكد من روايته. «ظهر في هذا الفحص أنه أمر بالتوقف عن إطلاق النار قبل إطلاق النار، وبالأساس تبين أنه لم يتلقَ أي تحذير من المرأة التي قالت إن المرحوم معاق».
وقال: «إن مجمل المعطيات تظهر أنه حسب المعلومات التي كانت لديه في الوقت الحقيقي، عمل بصورة صحيحة وأنه ليس هناك رؤية بأثر رجعي تقول إنه يتحمل أي مسؤولية قانونية. لذلك، نعتقد أنه لا مناص من إغلاق الملف ضده في هذه القضية المأساوية الفظيعة».
عن «هآرتس»