الجبهة الثانية ضد إيران
نشر بتاريخ: 2020/08/28 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 22:07)

عند النظر إلى خريطة الشرق القريب، في ضوء اتفاق السلام مع الإمارات، تذكرت النزاع الروسي – الغربي حول فتح جبهة ثانية في الحرب العالمية الثانية.

فالخطة الأميركية – الإسرائيلية تفتح جبهة ثانية ضد إيران، حيث من الآن فصاعداً لا توجد فقط محاولة لحصار إيراني لإسرائيل من خلال سورية، «حزب الله»، «حماس»، ويبدو أيضا تركيا، بل يوجد أيضاً حصار على إيران في حدودها الجنوبية، بينما تتسلل الإمارات عميقاً في الخليج الفارسي في مثلث إقليمي حاد في طرفه - أمام مضائق هرمز – وقادرة على أن تمنع أيضاً الأسطول الإيراني عن الخروج من الخليج الفارسي.

تفسر المعطيات الجغرافية السياسية الدافع الحقيقي للسلام الذي نشأ، كأنه فجأة، بين الإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل، والدافع ليس نزوة انتخابات لبيبي، كما يحاول الإعلام اليساري تصويره، بل خطوة استراتيجية صرفة ولامعة جاءت قبل أن تتعزز إيران لدرجة شن حرب أو حتى محاولة المس بإسرائيل.

هذه خطوة فتح جبهة ثانية ضد إيران تفرض عليها حصاراً مثلما تحاول هي أن تفرض علينا عبر سورية وبمعونة منظمات «تخريبية» تنظمها وتشجعها.

من المهم استطلاع قضية الجبهة الثانية في الحرب العالمية الثانية كي نفهم بشكل أفضل أهمية الخطوة الاستراتيجية الموازية هنا.

في 22/6/1941 اجتاح الجيش الألماني الاتحاد السوفياتي من ثلاثة محاور، مع قوة هائلة من نحو ثلاثة ملايين جندي.

في غضون ثلاثة أشهر ونصف الشهر دُمّر كل السلاح الجوي الروسي تقريباً؛ دُمرت آلاف الدبابات وأسر نحو مليون جندي.

منذ يوم الاجتياح لم تتوقف مساعي ستالين لتجنيد المساعدة من الغرب بفتح جبهة ثانية ضد الألمان في البلدان الأوروبية المحتلة للتخفيف عن السوفيات والتسهيل عليهم للتغلب على الألمان في بلادهم.

وشعر الروس بأنهم يدفعون ثمن الحرب بالأرواح وبالعتاد، بينما الانجلو - أميركيون يؤجلون حربهم ويسمحون بنزف دماء مكثف للشعب الروسي.

في جهد دبلوماسي استمر ثلاث سنوات حث الاتحاد السوفياتي الغرب على فتح جبهة ثانية، ولكن عبثا.

وفقط في 6/6/1944 اجتاح الغرب بآلاف السفن القتالية شواطئ نورماندي وهكذا تسارعت نهاية الحرب التي انتهت بعد أقل من سنة من ذلك.

كل من شهد ولو بشكل غير مباشر تجربة الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وكل من يقرأ الأدبيات التاريخية عن تلك الحرب، لا يمكنه إلا أن يتذكر مصطلح «الجبهة الثانية» التي طالب بها الروس الغرب وكانت حيوية للانتصار على ألمانيا النازية وبالسرعة الممكنة.

وعودة إلينا. من الواضح للجميع وكذا لكارهي رئيس الوزراء في الإعلام أنه ذو حدس سياسي سليم.

فالرجل يشير منذ سنوات عديدة إلى أن العدو الإيراني هو الأخطر على إسرائيل – أكثر من الخطر المحدق من الفلسطينيين.

وهو يعرف أنه في العهود التاريخية القديمة وصلت إيران في حروبها حتى أطراف اليونان، كما يعرف تاريخ الحرب العالمية الثانية والكفاح الروسي من أجل فتح جبهة ثانية.

ولهذا فهو وشريكه السياسي ترامب وجدا خطوة استراتيجية تحذر إيران من الحرب ضد إسرائيل. هذه هي الجبهة الثانية لأميركا، الدول العربية المؤيدة لها، وجبهتنا. كما أن السلاح الذي يبدو أن الولايات المتحدة تريد أن تورثه للإمارات هو ضمانة ليكون ممكناً في حالة الحرب ضد إيران استخدام الطائرات من القواعد الأميركية التي ستقام في الإمارات قريباً من الحدود الإيرانية.

دون قواعد كهذه سيكون من الصعب مرابطة جيش أميركي أمام شواطئ إيران.

من الواضح أن إسرائيل لا يمكنها أن تؤيد إعطاء سلاح متطور للعرب، ولكن إذا كان السلاح هو في أيدٍ أميركية أو خاضعاً لسلطتهم، فلا يوجد أفضل من هذا.

وإذا كان ترامب يسمح لنفسه بأن يسأل بشقاوة في ختام مكالماته الهاتفية مع بيبي: «وماذا عن محكمة العدل العليا لديكم؟ وماذا عن المحاكمات ضدك؟ وماذا مع التظاهرات أمام بيتك؟»، ينبغي الافتراض بأن يجيبه بيبي: «سيدي الرئيس، يوجد زمن لكل شيء، والمثل عندنا يقول: «حيد التركي وارتاح». وقت لكل شيء: أولاً فلنعزز الجبهة الثانية».

 

عن «معاريف»