طريق إسرائيل إلى الجامعة العربية
نشر بتاريخ: 2020/09/05 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 20:58)

متابعات: يبدو لي أكثر فأكثر أن ما يسمى المعسكر الوطني لدينا (في المقام الأول "الليكود") أصبح في الوضع الأقرب لتحقيق التطلعات القومية السائدة لديه، حيث إنه إذا نظرنا إلى أرض إسرائيل/ فلسطين بالتزامن مع قطاع غزة والمملكة الأردنية، فنحن بالفعل في وضع قريب جداً من رؤيا جابوتنسكي حول ضفتي نهر الأردن. صحيح أن الشعار المعروف لجابوتنسكي "هناك ضفتان للأردن، هذه لنا وتلك أيضاً لنا"، يجب أن يمر بتحديث بسيط للشعار الموضوع في عنوان هذا المقال. أطلب من القراء النظر إليه بحيث يكون هذا الشعار قريباً من شعار آخر معروف لجابوتنسكي الذي بحسبه سيُخلق وضع يرضى به "ابن العرب، ابن الناصرة، وابني".

ماذا أعني بهذا التصريح الذي يبدو تصريحاً مثيراً؟ الوضع السياسي والأمني أصبح قريباً اليوم من حلم جابوتنسكي، دون حاجة إلى أن نزيد عليه مستوطنات عبثية على التلال. حيث إنه من الجانب الغربي لنهر الأردن يسود في الغالب هدوء وتنسيق أمني مع السلطة الفلسطينية، كما يوجد تنسيق أمني بعيد المدى مع المملكة الأردنية، يمنع دخول جيوش أجنبية إلى هذه المملكة. هكذا وجد فعلياً فضاء أمني واحد من البحر المتوسط وحتى صحراء العراق. هذا الإنجاز الجيوسياسي مهم جداً. هذا الإنجاز مهم وليس خطوتين فارغتين، الأولى رسمية والثانية تكاد تلمس السطح المادي: الخطوة الرسمية الزائدة هي محاولة ضم أجزاء مختلفة من أراضي الضفة الغربية إلى جانب خلق عداوة في معظم دول العالم، وبالطبع من جانب الفلسطينيين أنفسهم. في حين أن الخطوة العبثية الثانية هي إقامة مستوطنات صغيرة على رؤوس التلال في "السامرة". من الواضح تماماً أن الوضع الأمني الحالي من خلال العلاقة مع السلطة الفلسطينية من جانب ومع المملكة الأردنية من الجانب الآخر، يقتضي تعمقاً ثلاثياً: في مجال التطوير الصناعي، في مجال الثقافة، وفي مجال السياحة والقدس. وأضيف هنا: إنه في هذه الأثناء أيضاً قررت المنظمة "الإرهابية" الأولى في غزة، "حماس"، فعلياً التوصل إلى تسوية لوقف إطلاق النار لفترة زمنية مقابل تسهيلات تكنولوجية ومالية في إدارة القطاع (تعارض السلطة الفلسطينية خطوات مصالحة كهذه مع "حماس" من خلال خوف مبرر من إقامة دول فلسطينية صغيرة).

من الواضح أن الوضع الحقيقي الأمني والإداري، ليس تماماً في غير صالح دولة إسرائيل اليوم. مرة أخرى: يبدو أن كتل الوسط واليمين التي تشكل الأغلبية في إسرائيل لم يتضح لها بعد ماذا يعني هذا الموقف حقاً.

الخطوة القادمة لحكومة إسرائيل يجب أن تكون ليس عمليات الضم العبثية على أشكالها، بل مناقشة جدية مع السلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية ومعظم الدول العربية. يجب أن يكون النقاش حول التقدم التدريجي من هذا الوضع بالاتجاه السياسي، ولكن ليس أقل من ذلك أيضاً باتجاه التعاون الاقتصادي بعيد المدى وأيضاً إزالة مظاهر العداء والتشهير في العلاقات الثقافية بين الشعوب. في هذا المجال يجب على السلطة في المقام الأول أن تفعل الكثير من أجل الكف عن إنكار التاريخ اليهودي في هذه البلاد، مع رؤية أحادية الجانب لأحداث القرن العشرين.

من المفهوم أن برنامج تطوير اقتصادي موجهاً بالأساس للتعاون مع السلطة الفلسطينية يجب أن يكون له زخم واضح، ورفع العلاقات القائمة اليوم مع جمهور العمال في الضفة درجة أو درجتين. برامج تطوير رئيسية في مجالات المياه والكهرباء والصناعات المتطورة يجب أن تكون مندمجة مع برامج تدريجية ولعدة سنوات لتأهيل أحفاد اللاجئين الفلسطينيين، الذين لن يكتفوا بدفع التعويضات في أماكن سكنهم.

أيضاً لا يوجد شك بأن ميناء حيفا وميناء أسدود ستستخدم في حينه بصورة موازية كموانئ لدولة إسرائيل والدولة الفلسطينية الآخذة في التشكل والمملكة الأردنية. عندها أيضاً لباقي الدول العربية المعتدلة. أي للجميع (بما في ذلك النظام في العراق) باستثناء سورية بشار الأسد. وأضيف إلى هذا: إن ما يدور الحديث عنه ليس فقط تطويراً صناعياً له زخم كبير – من شبكة كهرباء وحتى قناة البحرين وتطوير منطقة البحر الميت وحقول الغاز – بل أيضاً تطوير مشترك بمستوى كبير للسياحة في الأرض المقدسة، حيث إن 20 مليون سائح يعتبر هدفاً مرحلياً.

على هذه الخلفية، فإن الامتناع عن إعطاء مكانة رمزية لحكومة فلسطينية في جزء من البلدة القديمة في القدس سيعتبر بخلاً غير حكيم. على الرغم من أن هذا الجانب المتعلق بالقدس سيتطلب أيضاً تفكيراً إبداعياً في إدارة أجزاء مشتركة معينة في المدينة المقدسة، بما في ذلك المسجد الأقصى وكنيسة القيامة و"حائط المبكى".

ليس هناك شك في أنه في إطار برنامج كهذا وحلم كهذا أيضاً سيطلب من الفلسطينيين تغييرات تتعلق بهم كشرط لاستقلالهم – بدءاً من الخطة التدريجية لملء الاستقلال بمضامين مختلفة وحيوية – ولكن بالأساس التنازل في المجال الفكري. يجب عليهم التضحية بقضيتين:

الأولى، تنازل معين عن رواية نكبتهم، التي بحسبها فقط الجانب اليهودي – العبري هو المتهم بكل عواقب النزاع التي تتمثل بنفيهم الجزئي. الثانية أنه يجب عليهم أن يغيروا تماماً مناهجهم التعليمية، المليئة بالتشهير غير المنقطع بالاستيطان اليهودي في البلاد وإنكار التاريخ اليهودي فيها. في النهاية أيضاً يجب على الرئيس محمود عباس (أبو مازن) أن يفهم ولمرة واحدة أنه ليس هو الذي يحدد أن هناك شعباً يهودياً في العالم وما هو، وأن ادعاءاته وادعاءات السلطة بأنه لم يكن هناك في أي يوم ممالك يهودية في البلاد، هي ببساطة تزوير تاريخي غير معقول.

أضيف لذلك: إنه حان الوقت لتتوصل الأمتان الساميتان الكبيرتان، العبرية والعربية، اللتان بقيتا على قيد الحياة وخلقتا في حينه في العصور الوسطى عصراً ذهبياً من الثقافة المشتركة، في ظل التفاهم والصداقة. في هذا السياق من المهم جداً أن يبادر وبشكل خاص رجال الفكر والأدباء المستقلون من كلا الأمتين إلى إقامة مشاريع مشتركة في المجال الثقافي ويجندوا دعماً من العالم كله.

من الواضح من كل أقوالي هذه أنني لستُ من مؤيدي الشعار الذي يركز فقط على "إنهاء الاحتلال". في رأيي الأهم هو برنامج السلام والتعاون – سواء أكانت النتيجة على الأرض تسمى هذه الدول الثلاث بكونفيدرالية أم لا. ولكن إذا كنا قد ذكرنا مفهوم كونفيدرالية، فمن المفضل التفكير باحتمالية أن يكون لكل مواطن من وحدات الكونفيدرالية الحق في حرية الحركة والتجارة والعمل في أرجاء البلاد في كلا ضفتي الأردن (باستثناء الحق في شراء الأراضي، وذلك من أجل تهدئة مخاوف السيطرة على الأرض). أجل، سيكون لكل مواطن حق غير محدود في زيارة محدودة للأماكن التاريخية المهمة له.

في النهاية، حسب رأيي الكونفدرالية، هذه الوحدة السياسية، يجب أن تقبل كعضو ثانوي في جامعة الدول العربية، الأمر الذي يعزز جداً ليس فقط دولة إسرائيل، بل أيضاً الجامعة كلها، وكل هذا حسب رؤية وحلم زئيف جابوتنسكي بشأن الجدار الحديدي الذي يضمن إلى الأبد وجود إسرائيل.

 

عن "هآرتس"