وهل إسرائيل دولة أصلاً؟
نشر بتاريخ: 2020/10/07 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 19:17)

يتساءل الكثيرون، مؤخراً ، إذا كانت إسرائيل دولة ديمقراطية أو يهودية وديمقراطية، أو ربما أن الديمقراطية تآكلت وتحولت إسرائيل إلى دولة استبدادية؟ أريد طرح سؤال أبسط بكثير: هل إسرائيل دولة؟ حسب التعريف الدارج (والأكثر بساطة)، الدولة هي نظام سياسي مع سيادة يسيطر على منطقة جغرافية محددة، وسكانها خاضعون لمصدر سلطات مشترك، وهم محكومون من قبل حكومة مستقلة ولديها حق في إقامة علاقات دبلوماسية أو إعلان الحرب على دول سيادية أخرى.

لا تلبي إسرائيل هذه الشروط الأساسية. أولاً، ليس لديها مساحة جغرافية محددة، طالما أنه لم تحدد ولم يصادق بصورة نهائية على حدودها الشمالية والغربية. إسرائيل كيان سياسي مساحته مختلف عليها، داخليا وخارجيا. ثانياً، لا يوجد في إسرائيل مصدر سلطات مقبول على مواطنيها. ثالثا، استقلال إسرائيل السياسي محدود، وهي تعتمد بدرجة كبيرة على سياسة حليفتها الولايات المتحدة. ومحاربة وباء «كورونا» يزيد من حدة وبروز العيوب الثلاثة المذكورة.

سيادة جغرافية. مثل كل دول العالم، عند اندلاع الوباء أغلقت إسرائيل حدودها وأبقت أجزاء كبيرة من الضفة وغزة خارج الجدار – هذا تعبير واضح على أن هذه المناطق ليست جزءاً لا ينفصل عن المنطقة السيادية للدولة. لم تحتسب إسرائيل سكان مناطق السلطة والقطاع في تعداد المرضى، ولم تقم بمعالجة مرضى من «المناطق» في المستشفيات في إسرائيل، وقامت بتمييز واضح بين سكان المنطقة الفلسطينيين وبين المستوطنين، الأمر الذي يدل، رغم عدم اعترافها بذلك، على أن إسرائيل تعتبر نفسها صاحبة سيادة جغرافية بالفعل فقط على حدود 1967.

في موازاة ذلك، وقعت إسرائيل على اتفاق سلام مع الامارات، تضمن تعهدا بعدم ضم «المناطق» في الوقت القريب، الأمر الذي عزز الاعتراف بأن حدود السيادة، وأيضا سريان القانون الإسرائيلي، بقي بدون حسم.

مصدر الصلاحيات. في زمن «كورونا» اشتد النقاش في مسألة مصدر الصلاحيات، وفعليا تعلمنا ما نعرفه منذ زمن: في إسرائيل لا يوجد مصدر واحد للسلطة. تعتمد الأسباط المختلفة على مصادر مختلفة. جزء من السكان، بالأساس الجمهور العلماني وجزء من الجمهور الرسمي الديني، يستند، مثل معظم الدول في العالم، إلى القوانين الاساسية، ويوازنها مع رؤية الحرية الشخصية وحق التعبير المستقل. جزء آخر، بالاساس الوسط العربي، يمتثل للقانون، لكنه يوازنه مع مصدر للسلطة لا يقل عنه أهمية – العرف، الثقافة والتقاليد. والجزء الثالث، بالاساس الأصوليون وجزء من الجمهور الرسمي الديني، يضع سلطة الحاخامية فوق سلطة الدولة.

العلمانيون يخافون من فقدان الحرية الشخصية ويطالبون بالتظاهر والعمل حسب تقديرهم، ويطالب العرب بتمكينهم من الحفاظ على تقاليدهم الجماعية والعائلية. والأصوليون، الذين اعتبروا دائما الشريعة مقدَّمة على الدولة، يعملون حسب توجيهات الحاخامات ويخافون فقط من يوم القيامة.

نظراً لأنه منذ قيام الدولة وحتى الآن لم يوضع دستور، فان الصراع على مصدر السلطة لم ينته. ونظرا لأنهم لم يتعودوا على احترام الدولة كمصدر للسلطة العليا، فان كل المجموعات تشعر بأن كل قيد يفرض عليها هو جزء من محاولة إملاء بنية جديدة لتقسيم الصلاحيات، يضعها في مكانة متدنية. في مثل هذا الوضع فان سيادة السلطة الحاكمة تآكلت، وهي لا تستطيع اتخاذ قرارات لانفاذها. الاستخفاف والرغبة في تحدي توجيهات الحكومة تزيد من بروز حدود الطاعة: العلمانيون باسم الحرية، العرب باسم التقاليد والهوية الجماعية، والأصوليون باسم تقديس الخالق – كل مجموعة تشجع على عدم الطاعة، الذي تحول الى طريق يؤكدون فيها على جوهر هوية المجموعة. وعدم الاستعداد للتنازل يشكل دليلا على أهمية المبدأ الأساسي لأعضائها. سيادة واستقلال دولي. لا توجد لدولة إسرائيل القدرة على اقامة علاقات دبلوماسية مع دول سيادية اخرى بدون موافقة الولايات المتحدة. والدليل على ذلك هو الغاء وزارة الخارجية، فالسبيل الوحيدة التي من خلالها يديرون العلاقات الخارجية لإسرائيل هي الخط بين القدس وواشنطن، حيث إن احد الطرفين يسأل والطرف الثاني يجيب ويملي، حتى الاتفاقات يتم فيها التنازل عن مصالح إسرائيل. ليس من الغريب، اذاً، أن اتفاقات السلام لإسرائيل على مر الأجيال يتم دفعها قدما وصياغتها والمصادقة عليها ويتم التوقيع عليها في واشنطن، ولا يمكن أن يخطر بالبال أن إسرائيل يمكن أن تشن حربا بدون موافقة الولايات المتحدة، ولا يمكنها الصمود فيها بدون توفير السلاح والدعم الأميركي.

غياب سلطة داخلية تجاه مواطنيها أو خارجية تجاه العالم، بدون أن تحدد حدودا متفقا عليها ومنطقة جغرافية محددة وبدون سيادة خارجية، فان إسرائيل لا تلبي التعريفات الأساسية جدا لمفهوم الدولة. في الحقيقة، يوجد لها عملة خاصة بها وجيش وأنظمة جماهيرية مثل العلم والنشيد، لكن هذا غير كاف كي تكون دولة مثل باقي الدول.

من هذا يمكننا أن نتعلم ثلاثة دروس مهمة. الأول هو أن كل الصعوبات التي تواجه إسرائيل لا تبدأ ولا تنتهي في بلفور. الثاني هو أن مسائل تبدو نظرية، ومعظم الإسرائيليين لا يولونها اهمية كبيرة، تنعكس على سلوكنا اليومي وتلغي قدرتنا على التصرف كدولة. الثالث، الذي ربما يكون البشرى الطيبة، هو أنه ملقى علينا واجب – هذه أيضا فرصة – لإعادة تأسيس الدولة من جديد. عندما سينقضي الوباء ستضطر إسرائيل الى مواجهة مصادر ضعفها. يجب عليها بلورة اتفاق حول مصدر السلطة (كذلك حول حكم ذاتي للطوائف المختلفة) وترسيم حدود وعلاقاتها مع العالم. وإذا لم تفعل ذلك فهي ستواصل كونها دولة «مشروطة»، التهديد الرئيسي على وجودها ليس اهتزاز شرعيتها من قبل أعدائها، بل عدم قدرتها على تحديد شرعيتها على أيدي أعضائها.

 

 عن «هآرتس»