"هآرتس"_ ترامب ترك الشرق الأوسط أكثر خراباً مما كان
نشر بتاريخ: 2020/11/04 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 14:00)

هنالك لوم واحد لا يجوز توجيهه لترامب: أن سنواته الأربع كانت مثيرة. يعرف الرجل كيف يقدم عرضاً، وأن يسلي الجمهور في كل العالم، وأن يُضحك بصورة مأساوية حتى وهو يتحدث انجليزية مكسرة، وأن يثير موجات تسونامي في الشبكات الاجتماعية أكثر من أي زعيم آخر. دخل بصورة هائجة إلى دكان الخرداوات في الشرق الأوسط، وبحث ووجد فيها كل الأجزاء التي لا ترتبط معاً، وشكل أفراسا لها 9 أرجل و 5 رؤوس.

تصاحب ترامب مع أشخاص ديكتاتوريين، وآمن أنه من الممكن عقد صفقات معهم فقط. الصفقات بالمناسبة هي المفهوم الذي حل محل مفهوم السياسة.

هذا ما يجب في نظر من يعتبر نفسه فنان الصفقات. إلى أن اتضح أنه غارق في الديون "ونسي" دفع الضرائب.

اندفع نحو الشرق الأوسط مع "صفقة" صاخبة عُرفت باسم "صفقة القرن"، والتي وقعت بحضور جانب واحد، جانب ترامب.

في أحلامه رأى ترامب سلاماً شاملاً بين إسرائيل وبين العرب، عشرات المليارات من الدولارات ستغرق رمال الصحراء، ورأى أبراج ترامب تزدهر في غزة والخليل وعمان. حلم كهذا لم يُشاهد في هذه المنطقة الدامية.

ترامب جدير بالثناء على أنه نجح في إحداث تطبيع بين إسرائيل ودولة الإمارات والبحرين وفي الطريق أيضاً السودان، كل واحدة حصلت على رزمة كهدية حسب حاجاتها.

ستحصل الإمارات على طائرات اف - 35 والسودان سيتم رفعها من قائمة الدول المؤيدة للإرهاب، وستحظى البحرين بالمتبقيات.

ولكن إسرائيل هي الرابحة الكبرى. هذا حقاً يشكل ثورة تاريخية ضخمة، وتغييرا منهجيا، وقد أوجد حزام تأييد عربيا لدولة إسرائيل، دون أن يكون مطلوباً منها أن تدفع مقابله ثمناً أيديولوجياً أو جغرافياً أو مالياً.

هذا إنجاز القرن. ولكنها ليست "صفقة القرن" التي تنهي النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني.

لم يُحدث ترامب معجزة ولا حل نزاعاً دامياً بين إسرائيل وأي دولة عربية، هو ليس جيمي كارتر ولا بيل كلينتون، فقد صادق على شرعنة استمرار الاحتلال. وضم هضبة الجولان، وحدد مقر السفارة الأميركية في القدس، وأنهى مكانة واشنطن وسيطا بين إسرائيل والفلسطينيين، وسوية مع ذلك أنهى الأفق السياسي لإسرائيليين وفلسطينيين.

في الشرق الأوسط أدار ترامب استراتيجية تجارية استندت إلى رؤية أن رؤساء الدول هم مدراء عامون أو رؤساء شركات غير خاضعين لمجالس الإدارة العامة أو للجان العمال.

في هذه المنطقة يعتقد ترامب حسب رأي الجمهور، أنه لا يوجد أهمية للمشاعر القومية وللتاريخ أو للثقافة.

يكفي وجود علاقة شخصية وطيدة مع زعيم من أجل عقد صفقة. هو ربما الزعيم الوحيد في العالم الذي يرى في أردوغان، رئيس تركيا، حليفا مناسبا. "أنا أتدبر نفسي جيداً معه، وهو يصغي لي" قال ترامب في مقابلة في آب.

حتى عندما غرس أردوغان عود أسنان في عينه لدى شرائه لأنظمة الصواريخ الروسية وأيضاً عندما هاجم الأكراد حلفاء الولايات المتحدة في الحرب ضد "داعش"، حظي أردوغان بدعم كامل من ترامب، والذي برر شراء الصواريخ بأن إدارة أوباما رفضت أن تبيع تركيا صواريخ متطورة. ليس من العجيب أن أردوغان يخاف من نتائج الانتخابات الرئاسية. هو لم يصادف بعد رئيساً أميركياً يمكنه أن يرفع عليه صوته.

درة التاج لفن صفقات ترامب كانت بالتحديد إنهاء الاتفاق مع إيران: الانسحاب من الاتفاق النووي سنة 2018. لقد كان واثقاً من أن سياسة "الضغط بالحد الأعلى" ستجبر إيران على أن تجثو على ركبتيها وتقبل بكل شروطه.

بعد سنتين، ما زالت إيران حية ولم تخضع. وضعها سيئ، وهي غارقة في إحدى الأزمات الاقتصادية الصعبة في تاريخها ولكنها تواصل تأييد "حزب الله" وتواصل تمويل الميلشيات الشيعية في العراق وتمويل وتدريب الحوثيين في اليمن والإمساك بيد بشار الأسد.

أجل، هي أيضاً زادت كميات اليورانيوم التي تخصبها وأعادت تشغيل أجهزة طرد مركزي كانت متوقفة.

الآن ترامب واثق بأن لديه صفقة جديدة وناجحة يعرضها على إيران، فقط إذا انتخب فسيظهر للعالم كيف يتم التعامل مع إيران.

ولكن هذا هو ترامب الذي لم يسارع في الرد على إطلاق صواريخ إيرانية أصابت أهدافاً أميركية سعودية، وأهدافاً للإمارات.

عندما طلبت السعودية فإنه لم يتطوع لتقديم المساعدة. أي، كان مستعداً للمساعدة، ولكن مقابل دفع ثمن.

الصفقة هي الصفقة، ترامب خلافاً لأوباما، هاجم سورية بعد أن استخدمت الغاز السام ضد مواطنيها، ولكن مؤخراً يجري معها مفاوضات بشأن إطلاق سراح أميركيين مدنيين معتقلين.

من قال إنه لا يتم إجراء مفاوضات مع إرهابيين.

وعد ترامب 3 مرات بأنه سيسحب قواته من الشرق الأوسط كجزء من سياسة الانفصال التي كتبها على رايته.

في إحدى المرات في أفغانستان، عندما وقع اتفاقا مع "طالبان"، وهي المنظمة المسؤولة عن قتل مئات المدنيين الأفغان، ومرة ثانية عندما أعلن انسحاب القوات الأميركية من سورية، ومرة ثالثة عندما وافق على سحب قواته من العراق. ما زال الانسحاب من أفغانستان ينتظر الخروج إلى حيز التنفيذ. تلاشى الانسحاب من سورية. وبشأن مكوث القوات في العراق فإنه يواصل إجراء مفاوضات، وخلال ذلك يترك على الطريق خلفه صفاً من الجثث. تواصل أفغانستان إدارة حروب مع "طالبان"، وفقد الأكراد في سورية ثقتهم في الرئيس الأميركي، ورغم أن الانسحاب من سورية تم وقفه فإنهم بدؤوا بالتودد لسورية ومصاحبتها وهم مستعدون حتى لإجراء مفاوضات مع الأسد من أجل الحفاظ على بقائهم إزاء الهجمات التركية.

"الأكراد ليسوا هم مشكلتنا" قال ترامب بعد إعلان الانسحاب، "يوجد هناك الكثير من الرمال، وسيكون لديهم الكثير من الرمال ليلعبوا بها"، العراق التي طالبت بانسحاب القوات الأميركية تخاف الآن من البقاء وحيدة أمام "داعش"، التي رفعت رأسها في محافظاتها الشمالية، وتركيا سبق أن أجرت تجارب على أنظمة الصواريخ الروسية.

وضع ترامب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كشخصية ظل، حاضرة - غائبة، والتي ليس فقط غير قادرة على حل النزاعات، بل تساهم في إطالتها وتغذيتها.

الشريكة العربية الأهم للولايات المتحدة، السعودية، يحكمها ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي أصبح شخصية غير مرغب فيها في الولايات المتحدة بعد قتل الصحافي خاشقجي.

منذ أكثر من سنتين لم تطأ قدمه أرضها بالرغم من حقيقة أنها وعدت بشراء سلاح وطائرات بمبلغ حوالى 110 مليارات دولار. ولكن ترامب هو الزعيم الوحيد الذي امتنع عن اتهام بن سلمان بالمسؤولية عن القتل، خلافاً لاستنتاجات الاستخبارات الأميركية، وبجسده أحبط الرئيس قرار الكونجرس بمنع بيع سلاح لبن سلمان.

أجبر ترامب في الحقيقة السعودية على إجراء مفاوضات مع الحوثيين في اليمن، ولكن السلاح الأميركي ما زال يستخدم من قبل القوات السعودية في هجماتها على التجمعات السكانية في اليمن، في الحرب التي ما زالت مستمرة لأكثر من 5 سنوات، وأزهقت حياة أكثر من 100 ألف شخص.

حتى جهود ترامب في رأب الصدع بين قطر - الدولة التي تستضيف القاعدة الأميركية الكبرى في الشرق الأوسط - وبين السعودية، البحرين، الإمارات ومصر، لم تنجح.

الحصار الاقتصادي، الذي فرضته الدول الخليجية الثلاث سوية مع مصر على قطر، عزز علاقات قطر مع تركيا ومع إيران والذين معاً أسسوا محوراً مشتركاً يحاول أن يحل محل المحور العربي الذي حل محل أميركا.

تركيا وقطر تقفان على رأس الجبهة في الحرب في ليبيا بين الحكومة المعترف بها وبين الجنرال الانفصالي خليفة حفتر، حيث يقف ضدها جبهة روسية، فرنسية، سعودية، إماراتية، ومصرية. في هذه الساحة، مثلما في الساحة السورية، تكتفي الولايات المتحدة بمكانة المراقب، وكأن هذه المعركة لا تمسها.

اللامبالاة الأميركية في الجبهة السورية الليبية منحت روسيا احتكاراً في الملعب الشرق أوسطي والذي تعرف جيداً استغلاله، وهي تنجح في توسيعه كما يظهر من شبكة العلاقات العسكرية والاقتصادية والتي طورتها مع مصر والسعودية. ليس هنالك شك في أن روسيا تستطيع أن تأكل المزيد من الطيبات التي تركها ترامب لها.

سوف يقرر الناخبون الأميركيون هل حان فصل النهاية لهذه الفترة الفوضوية التي ستبقي تراثاً معيباً ومليئا بالنزاعات. ولكن ليست إرثا. كما أثبت ترامب نفسه، ليس هنالك سياسة لا رجعة عنها، وليس هنالك خطوات نهائية لا يمكن إصلاحها. يجب فقط أن نأمل بأن تكون الفترة القادمة مملة، دون إثارة ودون مهرج يدير العالم.

 

"هآرتس".. عن الايام