الترامبية باقية وتتمدد
نشر بتاريخ: 2020/11/07 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 19:15)

في كتابات سابقة، تفاءلت بفوز ترامب، يحدوني الأمل بأن يوضع فصل الختام على الكوارث والأوهام التي أشاعتها الرأسمالية بطبعتيها الليبرالية والليبرالية الجديدة، التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تجلت في تسيد القطبية الواحدة وتوحش الرأسمال في جني الأرباح وتحوله إلى رأسمالية مالية خارج الإنتاج الحقيقي، وتحول الولايات المتحدة إلى سيد أوحد للعالم، والعصا الغليظة التي يعاقب بها العالم بأسره بما فيها أقرب الحلفاء .
كنت أتلمس أن استمرار ترامب لفترة رئاسية جديدة، من شأنه أن يحث الخطى لتحولات فكرية وسياسية وردة فعل عالمية، تفضي إلى نظام اكثر عدالة وأخلاقية. لكن النتائج بصعود الديمقراطيين بزعامة بايدن، أحبطت هذا التحول، فهي محاولة اعتراضية من يمين مائع لتزييف التحولات العميقة التي بدأها ترامب، ودخول الترامبية  كأيديولوجيا مستحدثة وراسخة في المشهد الفكري والسياسي العالمي
.
الترامبية والشعبوية اليمينية هي النتاج الطبيعي لأزمة الرأسمالية المعاصرة، وبرنامجها القائم على الانغلاق القومي ومعاداة الأجانب والمهاجرين وأزمة الهويات التي يعاد تعريفها على أساس اللون والعرق والدين، في مواجهة عولمة متوحشة، لم تؤسس لنظام دولي أكثر عدالة.
فالشعبويات اليمينية من البرازيل إلى الهند وإسرائيل وتركيا وهغاريا وبولندا، تدلل على أن البيئة التي انتجت الفاشية والنازية عقب الركود الكبير عام 1929 لا زالت راسبة وموجودة ولم تهزم نهائيا وأن شروط إنتاجها لا زالت موجودة
.
لم يعد مفيدا اليوم استخدام أدوات التحليل الليبرالية واليسارية التقليدية في فهم ظواهر مثل الترامبية والشعبويات الجديدة في العالم، واقحام التحليل الطبقي وتعبيراته السياسية لم يعد نافعا.
تشير الدراسات التي حللت القاعدة الاجتماعية التي حملت ترامب للسلطة في العام 2016 وتصويت نصف المجتمع الأمريكي له في الانتخابات الحالية، إلى أن غالبيتهم كانوا من الطبقات الفقيرة والوسطى، التي طحنها التحول الرأسمالي  وجشع الربح السريع بنقل الإنتاج والصناعات إلى البلدان ذات العمالة الرخيصة، مما أدى إلى إفقار فئات واسعة من الشعب وتراجع مكانتها الاجتماعية، لقد أوصلت الأزمة السابقة والتي تجلت اليوم في الركود الكبير غالبية الفئات في المجتمع، أن لا أمل ولا أفق لوقف الانحدار، وعزز الإحباط من السياسيين والسياسة بمفهومها التقليدي هذا الانقلاب.
 وتصبح الهويات المفترضة القائمة على اللون والدين والعرق ولون البشرة هو الملاذ الامن لطبقات محبطة ومفقرة، انتهى حلمها بالارتقاء والرفاهية
.
وحتى لا نستمر في إشاعة الأوهام، في عالمنا العربي، وبدء احتفالات المظلومين الخارجين من مسار التاريخ بصعود بايدن، نقول إن حسم النتائج لصالح الديقراطيين، هو الاستثناء العرضي، وإن الترامبية مع ترامب أو بدونه هي القاعدة في المدى المنظور، كما قال بذلك المنشق عن الإدارة الحالية  ستيف بانون منظر الترامبية الأول.
 بداية، لأن الحزب الديمقراطي لا يملك بديلا حقيقيا للترامبية، لا في السياسة ولا في الاقتصاد، فهو في فكره وتمثيله نسخة يمينية مهذبة، ولا أبالغ في القول إن الانتخابات القادمة 2024 ستشهد انتقاما أشد واقسى من الديمقراطيين.

أمام استمرار الركود الاقتصادي العالمي، فإن البشرية مقبلة على تجذر للقوميات الشعبوية، وتراجع العولمة التي يسعى إليها ملوك التقنيات الحديثة، لأنهم ببساطة لا يسعوا إلى احتلال المشهد السياسي في الوقت الراهن، كما أن الصين لا ولن تسعى إلى التوسع بتعميم وتصدير نموذجها الثقافي والسياسي باستخدام القوة العسكرية كما يظن البعض، فهي أمة وثقافة وقارة قائمة بذاتها، واستراتيجيتها تقوم على حماية مصالحها المباشرة في بحر الصين وخليج تايوان وتأمين الممرات البحرية لمشروعها الحزام والطريق .
إن إشاعة الأوهام حول بايدن وحزبه الديمقراطي، والمراهنة على تغيير استراتيجيات أمريكا في السياسة الخارجية في عهده، خطأ سياسي فادح ومكلف، فالاستعداد منذ اليوم يجب أن يتركز على ما بعد بايدن باعتباره حدثا عرضيا في مسار التحولات .