يتحسر اليمينيون على هزيمة دونالد ترامب، وكأن الأمر خسارة كبيرة لإسرائيل. يوجد في هذا شيء ما مفاجئ إذا نظرنا بالتحديد من زاوية نظرهم: في سنوات حكمه، فإن الرئيس الذي أظهر أكبر تعاطف مع وهم المستوطنين المتعلق بالضم، تنازل عنه. التراث الذي تفاخر ترامب به في الشرق الأوسط سيكون هو اتفاقات التطبيع مع الدول العربية. ويمكن أن نتجرأ ونسميها بكلمة جميلة: سلام.
يمكن أن نقسم قرارات ترامب فيما يتعلق بإسرائيل إلى قرارات رمزية وقرارات عملية. ضمن الفئة الأولى يمكن تعداد نقل السفارة الأميركية للقدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، وضمن الفئة الثانية قرار التنازل، مقابل الاتفاق مع الإمارات، عن ضم أراض من الضفة.
اخترع بنيامين نتنياهو السردية التي تقول إن الأمر يتعلق بلعبة محصلتها صفر: حصلنا على سلام دون التنازل عن شيء. ومثل العديد جداً من الأمور التي يقولها، أيضاً هذا كلام كاذب. تنازلت إسرائيل عن الضم ووافقت، وبحثّ من الولايات المتحدة، على أن تعرض للخطر، لدرجة ما، تفوقها العسكري. هذا ثمن مناسب عندما يتعلق الأمر بأمننا ومستقبلنا. ولكن العبرة الأهم هنا هي أن القيادات اليمينية جداً في إسرائيل والولايات المتحدة فضّلت اتفاقات السلام على الضم.
«إذا صوتم لليمين، ستحصلون على يسار» هكذا يشتكون دائماً في اليمين، ولكن يوجد سبب لذلك، فمع كل الشعبوية، في النهاية هنالك واقع، أي ملايين الفلسطينيين الذين لن يختفوا فجأة. في هذا الواقع، فإن احتمالية ان تعيش حياة معقولة وآمنة، لن يضطر فيها الإسرائيليون لإرسال المزيد من أولادهم إلى حروب زائدة، تؤثر بهم أكثر من احتمالية احتلال «أرض إسرائيل الكاملة».
في هذا الواقع، هنالك عالم وراء حدودنا: في إطار تسوية العلاقات في الشرق الأوسط، وإقامة التعاون الأمني من أجل صد هجمات إيران وتقوية الاقتصاد في المنطقة بعد أزمة «كورونا» سيتضمن ذلك في النهاية أيضاً اتفاقا مع الفلسطينيين. هذا أمر لا مناص منه، وترامب ونتنياهو يعرفان ذلك.
وإذا كنا نتحدث عن الحقائق، فإليكم حقيقة أخرى: مشروع المستوطنات وهمي. ليس له، كما يمكننا أن نتعلم من بين أمور أخرى من أبحاث شاؤول أرئيلي، أساس اقتصادي. لم تنجح عشرات الملياردات التي استثمرت به، وهو أضعاف ما استثمر في يوم من الأيام في طبريا، في خلق اقتصاد قابل للحياة.
ثلث المستوطنين (الحريديين) يعيشون فقرا مدقعا. بدون الدعم المكثف لأموال ضرائبنا فإنهم كانوا سينهارون. النفقات المالية من الموازنة للفرد في المستوطنات هي أعلى بـ 3 أضعاف مما هو في إسرائيل. طوّر وزراء اليمين طرقاً سرية من أجل ضخ أموالنا للمستوطنات، وإذا اكتشف الجمهور كم نوظف هناك فإنه سيغلي غضباً.
المستوطنون أيضاً لم ينجحوا (في الاستيطان في القلوب). معظم الإسرائيليون لا يتجاوزون الخط الأخضر إلا إذا طلب منهم ذلك في الخدمة العسكرية، ورغم المحاولات لتبرير المستوطنات بأنها ضرورات أمنية فإنهم في الجيش الإسرائيلي ينتظرون اليوم الذي فيه يمكنهم الدفاع عن الحدود بدلاً من التعرض لخطر الخسائر بسبب الحاجة لحماية مواطنين محاطين بسكان معاديين لهم.
من المؤلم التنازل عن الروابط التي تربطنا بالوطن. سيندهش زملائي في اليمين -هذا مؤلم أيضاً لليساريين. ولكن الحياة والدولة غاليتان جداً علينا، إلى درجة أننا نفضل النظر إلى الواقع، وإلى الحقائق. وفي الواقع، من الصعب أن نتعجب من إنكار الوقع في قيادة اليمين. في السنوات الأخيرة اكتشف هناك من ينكرون المناخ، ومن ينكرون «كورونا»، من ينكرون نتائج الانتخابات. من عليهم أن يستفيقوا هم ممثلو إسرائيل الديموقراطية. السردية الفائزة – حتى في اليمين، هي السلام. هي المستقبل. الآن يجب التعاون مع إدارة بايدن وهاريس، الذي يفهم أنه من اجل أن تبقى إسرائيل ديمقراطية وذات أغلبية يهودية هي بحاجة للسلام والانفصال.
«هآرتس».. الايام