لن تتوقف عن المقارنة بين عمل فني على الورق، وآخر على الشاشة، هذه الذريعة التي بسببها سوف تكتب كثيراً لأيام قادمة، وسوف تناقش الكثيرين من المهتمين، وخاصة الشباب الهواة، الذين أحبوا القراءة ولكن لديهم خبرة ودراية بعالم التكنولوجيا، على العكس منك تماماً حيث تصنف نفسك على أنك من الجهلة في هذا العالَم، فأنت بالكاد تفتح جهاز الحاسوب لكي تكتب مقالك الأسبوعي، وتجيد التصفح التقليدي، ولكنك لا تسبر أغوار عالم الانترنت أبداً، فتخاف ان تقع في شباك الشبكة وتعلق، وقد تتلف جهازك ويسخر منك أولادك الشباب، ولذلك تقرر دوماً وتكتفي بحقيقة أنك دودة كتب ليس إلا.
ولذلك فأنت تستمر في التعليق وتقول إن العرب لا يتغيرون، نعم يا صديق هم لا يتغيرون بالفعل بالنسبة لطريقتهم في إعداد حبكة فنية لمسلسل او فيلم أو حتى مسرحية هابطة على مسرح من مسارح المقاولات كما كان يطلق عليها في فترة ما من تاريخ المسرح المصري مثلاً، فالحبكة الناجحة التي تستقطب المشاهدين، وتجعل الزوجات يلتففن حول الشاشات وينتظرن الأحداث في شغف هي حبكة وجود البطل مهما كان بين امرأتين، إحداهما تحبه والأخرى يحبها، بين امرأة تركض خلفه، والثانية يحبها في صمت أو يحبها ولا يبوح بذلك أو لا يجرؤ، أو أن ألف سبب يقف أمام هذا الحب، ولكن الزوجات يبدين سعادتهن بهذه المطاردة الغرامية، بل إنهن لا يتوقفن عن الشغف بمثل هذه الحكايات اللازمة لنجاح العمل حتى لو مقحمة.
بالفعل قد تكون مقحمة هذه الحبكة ولا ضرورة لها ولا تعني شيئا لو نزعت من الورق الاصلي للسيناريو او القصة، فلن يتوقف البطل عن النضال من أجل قضيته الرئيسية والهامة اذا ما اختفت المرأتان من حياته، قد يبدو منزعجاً من أجل امرأة أحبها، ولكنه لن يشعر باختفاء امرأة أحبته وطاردته وضحّت من أجله، وظلت تدبر الصدف والمواقف لكي تلتقي به.
محزنةٌ هذه العلاقة على ارض الواقع بالفعل، محزنةٌ ومثيرة للشفقة ان يعيش الانسان بين شخصيتين لكل واحدة علاقة خاصة به، فقد تكون المرأة في حيرة بين رجلين، وكثيراً ما أرسلت قارئات حالمات بأسئلتهن للمجلات الفنية والاجتماعية التي كنا نتابعها في مراهقتنا مثل مجلة حواء "أنا بين رجلين، أحدهما أحبه والآخر يحبني فمن أختار؟"، وبالفعل تتوالى عليها النصائح بأن عليها اختيار الرجل الذي يحبها لأنه سوف يسعدها، أما الرجل الذي تحبه ولا يحبها فسوف يسبب لها الشقاء والتعاسة، وسوف تدفع ذلك ثمناً غالياً من كرامتها أولاً، وستصبح حياتها معه سيلاً من التنازلات، وكلما تنازلت فهو يزداد أنانية، أما الرجل الذي يحبها فعلى العكس حسب تصوُّرهم، رغم أنه بالنسبة لها مجرد شريك حياة، أو رجلٌ لكي تستمر الحياة.
مخطئون هؤلاء الذين ينصحون بالطبع لأن الحياة تقوم على المشاركة وليست حقلاً لاستنزاف المشاعر، ولكن هذه الثيمة أصبحت ناجحة، وفي زمن أصبح كل شيء فيه يقوم ويُبنى على حب الذات والأنانية، فالخيار الأكبر ان يكون هناك دائماً هذه المعادلة التي هي سر نجاح معظم الأعمال الدرامية في السينما والتلفزيون على حد سواء، فدائماً البطلة بين رجلين، والرجل بين امرأتين حتى لو لعب الشيطان لعبته وقرر المحب بعمق أن يختار طريق الشر لكي يظفر بالحبيب، فالنتيجةُ أن هناك مأساة لهذه المعادلات غير المتكافئة، تجعلنا نعود إلى الطبيعة البشرية، وإلى ما أقرَّه الدين بأن الحياة الزوجية أساسها المودة والرحمة، وهما لا يتوفران إلا بمعادلة متساوية الطرفين ولو أن احدهما أسرف في حب الآخر فسوف ينتهز الآخر ذلك ويستغله، فليس التقدير دائماً يكون حاضراً أو وارداً أو مقابلاً للعطاء، فالحياة تغيرت، ولكن هذه الثيمة لم تتغير بل تزداد حتى تصل إلى حد أن تتحول المرأة الرقيقة إلى مجرمة وقاتلة، وفي ذلك قائمة من الأمثلة تطول.
عن الايام