الفضيحة المدوية للأحزاب الأردنية
نشر بتاريخ: 2020/11/12 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 08:32)

ليس كافيا ولا مقنعا القول ان جائحة كورونا كانت السبب في السقوط المدوي للأحزاب الأردنية في الانتخابات النيابية الأخيرة. فالإخوان المسلمون مع تحالفاتهم المحتملة لم يتمكنوا من حجز أكثر من عشرة مقاعد، وفشل ابرز رموزهم التاريخيين في الوصول الى دار التشريع. وهم الذين لا يعوزهم المال " الحلال " مقابل التهامهم الاخرين باستخدام المال السياسي" الحرام" ولم تنفعهم السيطرة على المساجد والتكايا والزوايا وأدوات التواصل، فالاخوان يمتلكون جسما تنظيما حديديا يقوم على" السمع والطاعة" و"الولاء والبراء"، قوة فعالة ونشطة يقدر الخصوم والمحبين بأن وزنها الانتخابي في كل الظروف تمكنها من احتلال ربع البرلمان ويزيد. الفضيحة الأخرى طالت عشرات الأحزاب والجماعات السياسية التقليدية والعريقة منها وأخرى حديثة ساهمت في انشائها دوائر الدولة، فلم يتمكن أي من تلك الأحزاب من الفوز، بل ان تحالف القوى القومية واليسارية السبع لم تتجاوز اصواتهم في مركز ثقلهم في العاصمة عن ثلاثمائة صوت.

 الإجراءات المشددة في مواجهة الوباء، ساهمت بلا شك في احجام المواطنين عن الخروج للإدلاء بأصواتهم، الى ما دون الثلاثين بالمئة، لكن وزن الأحزاب كشف ضعف وهشاشة الحواضن الاجتماعية لغالبية الأحزاب، وعقم برامجها واهتماماتها التي لم تقنع جمهورها ومحازبيها. نحن امام أزمة حقيقية لن ينفعها التبرير وحجج التدخل الحكومي، بل مواجهة الحقيقية المرة. في اولياتها انها أحزاب تقليدية شائخة ولم تتمكن من مجاراة العصر والثورة التكنلوجية واهتمامات جيل الشباب، ولا زالت تعيش على تاريخ وسيرة قديمة في غالبيتها ذات مرجعيات فكرية وسياسية خارجية، من البعث بتلاوينه الى القوميين بفصائلهم وانشقاقاتهم الى اليسار الشيوعي والاشتراكي والديمقراطي وما يسمى بالمدني. ويتنازعهم منذ سنوات صراع سياسي حول المقاومة وزعيمها الملهم حسن نصرالله او السلطان العثماني ، او انتظار المخلص الروسي او الصيني من عسف وظلم النظام الدولي بقيادة "الرأسمالية المتوحشة "والامبريالية والصهيونية . أما الإخوان المسلمين الكتلة الحزبية الرئيسية في البلاد، فلا زالت قضية مرجعيتهم القيادية والسياسية محل شك ونزاع قانوني مع الدولة، جوهرها  انتماؤهم  للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وقيادته المصرية ، ورافعة برامجهم وعملهم السياسي يتركز حول قضايا اممية إسلامية من كشمير الى دكار مرورا بالروهينغا ، ما يتجاوز مصالح واهتمامات الأردنيين المطحونين بمخاطر ومصاعب شتى. أحزاب تتكئ على برامج وأفكار مقطوعة الصلة بمشاكل الناس المعيشية والبطالة والفقر وتلاشي الطبقة الوسطى والانهيار الاقتصادي، في بلد على حافة الإفلاس فعليا. ولم تنفع تسميات القوائم ولا الرموز والشعارات بالقدس " الشريف" و" قبة الصخرة " من تحويلها الى وزن انتخابي.  

 بدل تبادل الاتهامات ، ينبغي ان تشكل فضيحة نتائج الانتخابات للأحزاب الأردنية ، فرصة ذهبية للمراجعة والدراسة والتحليل العميق ، بما في ذلك قراءة للتجارب الجديدة والمعاصرة في العالم في المجال التنظيمي ، واثر الثورة الرقمية المتسارعة على اليات التواصل والترويج للأفكار والبرامج ، والتمعن بحالة الشرذمة الحزبية بين القوى المتشابهة فكريا وسياسيا . ربما بتنا بحاجة الى حل جماعي لغالبية الاحزاب السياسية الأردنية ، هكذا دفعة واحدة ، من باب الاعتراف بالفشل ومراجعة الذات ، حتى تتمكن النخب من إعادة تشكيل تياراتها السياسية على أسس اكثر واقعية واقرب الى العلم والتجارب الناجحة الجديدة .( مشارقة)