قد تكون تصفية رئيس البرنامج النووي الإيراني، محسن فخري زادة، هدية الوداع لدونالد ترامب لأصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة. فتصفية الرجل الذي قاد إيران في طريقها لتصبح قوة عظمى نووية، تنضم الى تصفية قاسم سليماني، العقل والمحرك لجهود طهران للسيطرة على الشرق الاوسط والاغلاق على إسرائيل بـ»كماشة ارهاب» وصواريخ متطورة. هاتان الخطوتان الجريئتان أعادتا إيران سنوات جيل الى الوراء وكشفتا سرها الدفين: هذه دولة غير قادرة على المحافظة على أسرارها، وبالأساس على مسؤوليها الكبار، وأكثر من ذلك، دولة تتراجع الى الوراء عندما يتم الوقوف امامها ويرد بتصميم وحزم على عدوانها.
وكما هو متوقع أثارت التصفية ضجيجا وتنديدا من كل صوب. وبين كل ذلك برز الاتحاد الاوروبي، الذي وصفها بأنها «جريمة جنائية تتعارض ومبدأ احترام حقوق الانسان»؟ يبدو ان السعي الى قنبلة نووية والتهديد بإبادة إسرائيل هي حقوق اساس يلتزم الاتحاد الاوروبي بها، ويهرع لحمايتها.
من برزوا في صمتهم كانوا بالذات هم الحكومات العربية. ولكن ما صمت عنه المتحدثون الرسميون ممن ملؤوا افواههم كعادتهم بالمياه أكملته قنوات الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. لم يكن هناك شك بأن العرب ليس فقط لا يشجبون التصفية، بل يرحبون بها ويباركون الضربة التي وقعت على رأس إيران. بعضهم (مثل عبدالله بن بجاد العتيبي مراسل «الشرق الاوسط») سخروا من دموع التماسيح التي تذرفها إيران ومرعيها، «حزب الله». فهؤلاء كانوا مسؤولين عن معظم التصفيات، أعمال العنف والارهاب في الشرق الاوسط وفي لبنان في العقد الاخير، واكتشفوا فجأة بأن «المصفين الإيرانيين» يمكن تصفيتهم هم ايضا.
يتبين أنهم في العالم العربي لا يقبلون ايضا التحليلات المنمقة التي سمعت في الولايات المتحدة وفي إسرائيل على لسان «الخبراء في الأمر»، وبموجبها هذه خطوة خطيرة من شأنها أن تدفع المنطقة الى حرب شاملة. فهؤلاء الخبراء يكررون للمرة الالف اخطاء الماضي، ويصرون على فهم ما يجري في الشرق الاوسط بعيون غربية وكأنها الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
إن أحد أسس التحالف الذي تحقق في السنوات الاخيرة بين إسرائيل والدول العربية، ولا سيما دول الخليج، كان الاعتراف العربي بقوة إسرائيل العسكرية، والانطباع الشديد الذي خلفه استعدادها لمواجهة إيران، بل نجاحها في منع تموضعها في الاراضي السورية. وقد أحب العرب الجسارة الإسرائيلية، ووجدوا فيها سندا وتشجيعا، ولا سيما في ضوء الاصوات التي تسمع من الولايات المتحدة وبموجبها ليس لها مصلحة في المنطقة، ولا تعتزم مواصلة البقاء او التورط، ولا حتى من اجل اصدقائها، في الحروب والصراعات التي تدور فيها.
ان ريح الاسناد التي تمنحها الدول العربية لإسرائيل واستعدادها للوقوف بشكل علني الى جانبها في وجه عدوان طهران تدل على قيام شرق اوسط جديد، يختلف عن ذاك الذي بشرنا به مرات عديدة في الماضي. شرق اوسط يقف في ظل تحالف مصالح إسرائيلي – عربي يقوم على أساسات متينة، وبالأساس واقعية في وجه التهديد الإيراني الذي يشكل تهديدا وجوديا لدول المنطقة.
عن «إسرائيل اليوم»